ثم يوجد في هذه المملكة بضع مئات من الذكور وظيفتها التلقيح، ثم توجد عدة آلاف من العاملات التي يدور عليها رحى العمل، فمنها التي تبني عيون الشمع بترتيب هندسي منظم يعجز عنه الفنان المعلم، وفي هذه العيون يخزن العسل وتضع الملكة البيض، ومنها التي تجمع الرحيق فيتحول بطريقة خاصة في معدتها عسلا ثم تلفظه شراباً فيه شفاء للناس، هو الشهد المصفى والسكر المكرر، ومنها التي تحمل الماء، ومنها المدافعات عن الخلية، فتلسع من يعتدي عليها سواء كان إنسانا أو حيوانا أو حشرة أو نحلة غريبة من خلية أخرى، ومنها ما تشتغل بتنظيف الخلية من الداخل، إلى آخر ما يرى من نظام في العمل بديع، وترتيب وتنسيق. والآن نتمم الكلام عن هذه الآية الكريمة، فبعد أن أوحى الله إليها بسكناها قال (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا) فالنحل تسلك في الوصول إلى الحقول حيث الثمرات طرقاً ملتوية، ولكنها لا تضل على بعدها السبيل إلى الخلية، بل هداها الله أدراجها، وآتاها أبراجها، وجعل سبلها سهلة ميسرة، فقد تسلك بضع كيلومترات ولكنها لا تستوعر طريقها، وبعد أن ترتشف من الأزهار رحيقها، ترده عسلاً صافياً يخرج من بطونها مختلفا ألوانه بين الأحمر والأصفر والأبيض، وذلك باختلاف الرحيق الذي ترتشفه، فإنها إن ارتشفت من أزهار البرسيم مثلا، كان العسل فاتح اللون، وإن وقعت على بعض أزهار الفاكهة كان العسل أغمق لونا.
العسل من وجهة الدين
قرر القرآن الكريم أن الشراب الذي يخرج من بطون النحل شفاء للناس من أدوائهم. وحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال (العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين العسل والقرآن) هذا وقد عالج رسول الله شكاة البطن بالعسل إذ جاءه رجل فقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال اسقه عسلا؛ ثم أتاه الثالثة فقال اسقه عسلا؛ ثم أتاه فقال قد فعلت. قال صدق الله وكذب بطن