قد خفي السر عن العارفين ... فهل ترى الجاهل يدري المصير؟
فقام يسعى وهو باك طريد ... معذب الخطو، شقي الطريق!
كما يرى السادة يمشي العبيد ... حتى على الشوك! ولو في الحريق!
ومرت الأيام مثل الصدى ... معروفة الأول والآخر
يماثل الفائت منها الغدا ... والغائب المأمول كالحاضر
والشارد المسكين يحيا سدى ... كريشة في عيلم زاخر
وبينما كان يسير الغريب ... مستغرقاً في صمته ذاهلا
والقيظ بحر موجه من لهيب ... لا تبصر العين له ساحلا
رأى على الأفق البعيد القريب ... شيئاً تبدى جنة باسمه
رواحه منها نسيم رطيب ... ونفحة من عطرها هائمه
فراح يهفو مستثار الوجيب ... مستغرقاً في نشوة حالمه
وحين وافى الجنة الساحره ... رأى. . . وما أعجب ما قد رآه!
ما صورت أحلامه الشاعرة ... وقد سرى فيه ربيع الحياه
ماء شهي الورد كالسلسبيل ... كأنما منبعه في السماء
يضعه عشب ندي جميل ... يعانق الظل عليه الضياء
وفوقه يسري النسيم العليل ... مرنح العطر، شجي الغناء
وهذه الأشجار قد أبدعت ... تصويرها قدرة رب الوجود
وهذه الأشجار قد أينعت ... ثمارها، تحمل سر الخلود
والطير تشدو بالغناء البديع ... فتبعث الحب، وتذكي الحنين
كأنما تبصر طيف الربيع ... إذا تراءى من خلال السنين
دنيا من الحسن الذي لا يشيع ... ولا تره العين في كل حين
لما رأى الشارد هذا الجمال ... هفا إليه مستهام الجناح
فراعه ما أطلعته الرمال ... من غابة أشواكها كالرماح!
قد حجبت عنه الجمال الحبيب ... فما يرى إلا من خيال الفناء!
ورن في الصحراء صوت رهيب ... فارتجت البيد لهول النداء: