سر أيها الشارد فوق اللهيب ... فأنت عبد من عبيد القضاء
لن تدخل الجنة مهما بقيت ... ولو تحملت سهام القتاد
ولن ترى أمثالها ما حييت ... فما خلقنا مثلها في البلاد
لغيرها هيئت يا ابن السبيل ... فاذهب لكي تبحث عن غيرها!
أما ترى الأشجار مثل النخيل ... أعشاشها وقف على طيرها؟
قد أزف البين، وحان الرحيل ... فسر مع الأيام في سيرها!
فأجهش الشارد مستنجدا ... وقال في صوت كرجع الأنين
يا أيها الصوت الرهيب الصدى ... رفقاً بهذا الضارع المستكين
قضيت عمري في سعير الألم ... وفي ضباب الوحشة البارده
وكان قلبي هائماً في القمم ... يبحث عن أحلامه الشارده
وكم تمنيت حياة العدم ... في ظل تلك الراحة الخالدة
وعشت في الصحراء عيش الهوان ... يحيط بي أنى ذهبت الشقاء
أهتف: أين الحب؟ أين الحنان؟ ... فيذهب الصوت سدى في الفضاء
وكنت أمشي مستطار الفؤاد ... على رمال ثائرات الشرار
شرابي الآل، وزادي القتاد ... وليس لي مأوى، فأرجو القرار
وكان لي ثوبان: هذا السواد ... يخلفه عندي بياض النهار
وكان لي في كل وقت حنين ... إلى ظلال الجنة الزاهره
وكنت أمضي في فضاء السنين ... أسأل عنها النسمة العابره
والآن قد أبصرتها ماثله ... فعربد القلب كطير سجين
يريد تلك الجنة الحافله ... بكل حسن يفتن الناظرين
والموت آت، والمنى زائلة ... فكيف لا أنعم حتى يحين؟
علام حرمت على المتاع؟ ... وفيم قدرت على المحن؟
وكيف أمضي في طريق الضياع ... أحمل في قلبي هموم الزمن؟
لمن تكون الجنة المشتهاه ... إلا لمن أضناه طول السفر؟
والمورد العذب كجدب الفلاة ... إن لم يكن للظامئ المنتظر