والحافز لهذا التفكير. . ومن أولى منك بالدفاع عن (المرأة الشهيد) التي عاشت طعيناً بسكين من العادة والوهم كما يقول (شوقي) الخالد في مسرحيته (مجنون ليلى) على لسان (ليلى) مخاطبة (قيسا):
كلانا قيس مذبوح ... قتيل الأب والأم
طعينان بسكين ... من العادة والوهم!
أجل! فما هذا الشعر الذي قاله (شوقي) إلا تصوير لهذا المجتمع الآثم الذي أمات المرأة ووأدها وهي حية في دارها كرة وفي قلبها نزلة أخرى، بما فيه من عرف جائر وناس محافظين يعيشون بالعادة والوهم أضعاف ما يعيشون بالعقل والتفكير، ويستجيبون للغضب والشدة والخصام والعرام أكثر مما يستجيبون للأناة والرفق والوئام والسلام.
فيا أخي أنور لا تحسبنها الشاعرة وحدها (المجهولة) التي ظلمت فنها حين قضت أن يظل رهين المحبسين: القلب والدار. . ولكن كل فتاة عربية في هذا الجيل قد أمست رهينة محبسيها: قلبها ودارها، فعاشت تتطلع إلى مجتمعها الظالم من بعيد تنظر ولا تقترب، وتنطوي على نفسها تفكر وتكتئب، وتئن وتنتحب، وتبدع أدبا يتسم بالسأم والملل، ويتشح بالقنوط والحرمان!
أرأيت يا أخي أنور إلى هذه الأزمة المستعصية، أزمة الفتاة، وإلى غمتها التي ما تنجلي، وإلى إسارها الذي لا يطاق؛ وإلى حياتها التي تضج بالحرمان والعذاب؛ من مهد الصبا والشباب إلى مهد البلى والتراب؟ ألا تفوق هذه الأزمة أزمة القراء ومشكلة الكتب؟ وهل مثل هذه الغمة غمة يجدر بالأقلام أن تتساند على كشفها وتتساعد في جلائها؟ فهلم يا كاتب الأداء النفسي وثر على هذا العصر واصرخ في وجه هذا المجتمع وزحزح ناسه المحافظين الناقمين على المرأة أن تستنشق هواء الحرية، وأن تتذوق معنى الحياة وأن تلخص من أشواك العرف والعادة والوهم، وإسار القلب والدار!
هلم يا كاتب الأداء النفسي واجل ببيانك غمتها وعالج بتفكيرك أزمتها، وادع الكتاب والكاتبات إلى معالجة أزمة المرأة وغمة الفتاة، كما دعوتهم من قبل إلى معالجة شئون الأدب والأدباء، ومشكلة الكتب وأزمة القراء، فعسى أن يكون في انكشاف هذه الأزمة وانجلاء هذه الغمة ما يعين على تلافي أزمة القراء ومشكلة الكتب، بإنقاذ نصفنا الآخر