٣ - إن من حق أزمة القراء أن تصرفك عن التفكير في إخراج كتبك إلى الناس، هؤلاء الذي زهدوا في عصير الذهن ورغبوا في عصير الليمون كما تحدث من قبل صديقك الأستاذ توفيق الحكيم، في حواره النادر الذي أداره على صفحات (أخبار اليوم) بينه وبين عصاه، وعلقت عليه (الرسالة) في تعقيبات العدد (٨٨٧)، وأنحى فيه باللائمة على المدرسة لأنها لم تستطع إلى الآن أن تغرس في الطالب ملكة المطالعة ومحبة الإطلاع اللتين ستلازمانه في كل حين وتجعلان منه رجلا نافعا وأداة صالحة.
وأرى أن المدرسة أو الجامعة تزهد الفتى والفتاة في المطالعة بما يرهق الفكر ويتعب العقل من ضروب الثقافة وصنوف المعرفة التي تضجر بكثرتها الكاثرة، وتدفع النفس حين تخلص من محنتها ونقمتها أن تستجم وتستريح إلى فنون من اللهو والعبث والحياة الرخيصة، وألوان من الابتذال لا تثمر إلا بالكسل والسأم وإضاعة الوقت والمال. ذلك لأن المناهج لا تزال تحرص على الكمية أكثر من حرصها على الكيفية، ووظيفة الجامعة في هذا الزمن العجيب أن تسأل: كم قرأت؟ دون أن تسأل: ماذا أفدت؟! إن حشو الذهن بالمعلومات يؤذي خارج الجامعة أضعاف ما يؤذي داخلها؛ فهو بثوبه الثقيل وظله البغيض يصرف النفس صرفا عن المطالعة، لا لأنها لا تريدها ولا تحبها بل لأنها ملتها واجتوتها، ورأت في خلاطها ما يؤذي وفي صحبتها ما يضجر وفي الانصراف إليها ما يضيع رونق العمر وبهجة الحياة. إن الجامعة تنفر الطالب من القراءة لأنه تقتله قتلا بالقراءة. فلا يتخرج من الجامعة إلا بعد أن يذبل عينيه ويمحو رواء وجنتيه بمعلومات لا تغني غناء ولا تجدي جداء، والويل له إن قصر ويا خسره إن تأخر! فهل للجامعة بعد هذا كله أن تستجيب لنداء الأستاذ الحكيم:(فتعلم طلابها حب القراءة، وتمرن عضلاتهم الفكرية على هضم أغذية العقل، ثم تدفع بهم إلى الحياة ليزدردوا ثمرات الذهن. . إن الإنسان يولد زبونا بالفطرة لعصير الليمون، ولكنه لا بد أن يعد إعدادا ليصير زبونا لعصير الذهن)!
إن وظيفة المطالعة أن تغني الذهن أولا، وأن تقتل السأم والملل ثانيا بما تفرغه على النفس من نعمة النسيان ولذة الغرق في أيام سود كوالح، ناهيك بمتعة المعرفة التي تخلق التجاوب بين الكتاب والقراء فيستجيب الفكر للفكر ويخلد الرأي إلى الرأي، وينشأ من ذلك أدب