للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طفل الذي دخل هنا منذ لحظات وجعل يتأمل وجوه الناس ويتفقد أرجاء المكان؛ أنه (سامي) الأخ الصغير (لمحمود). . . وأنت لا تعرف محمودا هذا، ولكن (العروس) تعرفه جيداً. . . أنه الأفق الرحيب الذي تحلق فيه الأحلام، أما سامي الصغير. . . سامي الذي أثار بمرآه ذكريات رقدت في حنايا القلب وأغفت في ثنايا الروح. . . سامي هذا كان بمثابة الجناح الذي حمل العروس وحلق بها في وادي الأحلام، حيث يتراءى لها طيف محمود فوق كل ربوة وعد كل زهرة وجوار كل غدير. . .

إنها تعرف كل شيء عن (محمود). . تعرف أنه كان يتردد على منزلهم كلما أقبل في إجازة مدرسية إلى القرية، فأواصر القرابة التي تربط بينهم أقوى من أن تتركه يهمل تلك الزورات.

كانت تشعر بنشوة طارئة عندما يقبل وهو يسير بخطوات متوثبة حية كأنما يرقص على إيقاعها الشباب. . . وكانت دائماً تحشى أن تطيل النظر إليه حتى لا تلتقي منهما النظرات كانت تشعر كأن في عينيه قوة نفاثة تهزها بعنف فيصعد في وجهها ذلك الدم الحار الذي يكشف المكنون من العواطف ويزيح عن المشاعر أستار الجمود. . .

لذلك كانت تؤثر أن تقف خلف باب الحجرة التي يجلس فيها مع والدها لتسمع حديثه الفتي المرح الذي تتخلله الضحكات، ويا لها من ضحكات سحرية كانت تخترق صدرها الصغير لتوقظ ذلك القلب الراقد هناك في لفائف الصبا الغرير. . .

إنها تذكر كل ذلك. . ونذكر أيضاً أن أباها طلب إليها أن تصنع (شاياً) للضيف العزيز ولكنها لم تكد تضع الشاي على الموقد حتى تركته وراحت تعدو خفيفة إلى مكانها المأثور خلف باب الحجرة، ولم تبارح مكانها الحبيب إلا بعد أن ارتفع صوت والدها يستعجل الشراب للضيف الأثير. . وحين غادرت مكانها إلى الموقد كان الشاي قد غادر مكانه إلى الأرض. . . وتذكر أيضاً وما أجمل الذكريات! أنها كانت تتمنى أن تتحدث إلى (محمود) وأن تراه يخصها بكلماته ويغمرها بنظراته ويشعر بوجودها في خاطره ولو للحظات، هي التي تجعل كل خواطرها وقفاً عليه!! وقد وافتها تلك الأمنية السعيدة حين ذهب (محمود) إلى منزلهم ولم يكن أحد سواها هناك. لقد استجابت متكاسلة إلى طرقات الباب ولم يكد ينفرج عن وجه محمود حتى ندت عنها آهة خافتة كانت بمثابة عنوان صادق لكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>