الأول. أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته
الثاني. أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً فينصبه رقيباً على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنية والظاهرية ينبهه عليه
الثالث. أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه
الرابع. أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذموما فليطالب نفسه به وينسبها إليه فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى فما يتصف به واحد من الأقران لا ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شئ منه فيتفقد نفسه ويطهرها منكل ما يذمه غيره
هذه طرق الغزالي الأربعة في التحليل النفسي. فالطريقة الأولى قريبة جدا من طريقة علم النفس الحديث ونرى ذلك واضحاً عندما نقابل ما يقضي به العلم الحديث من الإنسان حمل المراد تحليل نفسيته على أن يطلق العنان لأفكاره أمام المحلل وبين يدي شيخ بصير بعيوب النفس وبحكمه في نفسه ويتابع إشارته فيعرفه ذلك الشيخ عيوب نفسه وطريق علاجها. والطريقة الثانية هي الاستعانة بالصديق في معرفة العيوب وهذه الطريقة شبيهة بالأولى من حيث أنها استعانة بالغير في التحليل. إلا أن الأولى تحليل بواسطة اختصاصي (شيخ بصير بعيوب النفس) - والثانية تحليل بواسطة صديق بصير في المراقبة دقيق الملاحظة. وأما الطريقة الثالثة والرابعة فهما طريقتان للتحليل الذاتي والتأمل الباطني وطريقة التحليل الذاتي أفضل طرق التحليل لذوي البصائر النيرة والعقول الراجحة.
ومن حق الغزالي علينا أن نذكر له معرفته بس العقدة النفسية وإدراكه أن خفاء العقدة عن صاحبها هو السبب الذي يجعل حلها صعباً وشفاءها في بعض الأحوال مستحيلاً وإدراكه أيضاً أن معرفة العقدة والشعور بها يسبب حلها والتخلص من شرها. يقول - فمن تكون بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه فإذا عرف العيب أمكن العلاج. ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم. ثم يقول في موضع آخر: إن من الأمراض ما لا يعرفها صاحبها ومرض النفس مما لا يعرفه صاحبه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه.
ولنسمع الآن ما عند الغزالي من طرق المعالجة النفسية يقول: