في مكتبة الكيلاني ينتدي - يوم السبت من كل أسبوع - جماعة أكثرهم من المشتغلين بالشؤون السياسية، وهم مع ذلك لا يتحدثون في السياسة. . . كأنهم جاءوا إلى هذه الندوة ليريحوا عقولهم من ذلك العناء، فلا تسمع إلا طرفة من هذا وملحة من ذاك، تتبين في تفكيرهم خواطر الأدباء، وفي حديثهم طلاوة الأدب، وإن لم تدركهم الحرفة. . . يتوسطهم المحدث اللبق الأستاذ كامل كيلاني، يدير عليهم كؤوس السلاف من حديثه الممتع، إلى جانب أكواب القرفة والتمر الهندي. . .
وفي الجلسة الماضية حلا للقوم موضوع الجرس المرافق للمعنى في أدب العرب، واشترك في الحديث الأساتذة مفتي الجزايرلي باشا وجمال الدين أباظة بك وأحمد حلمي باشا والحاج أمين الحسيني وحقي العظم بك وسامي العظم بك ومحمود حسيب بك والأستاذ الكيلاني. روى راويهم قول ابن الرومي:
من بنات الروم لا يكذبنا ... لونها المشرق عن منصبها
فهي حسب العين من نزهتها ... وهي حسب الأذن من مطربها
وإذا قامت إلى ملعبها ... كمهاة الرمل في ربربها
سألت أردافها أعطافها ... هل رأت أوطأ من مركبها
- إن الألفاظ تتماوج وتختال كأنها تكون صورة متحركة لتلك (البنت) الرومية.
- استمع إلى الموسيقى الغاضبة في قول ابن الرومي أيضاً:
ويح القوافي ما لها سفسفت ... حظي كأني كنت سفسفتها
ألم تكن ميلا فقومتها ... ألم تكن عوجا فثقفتها
إلى أن يقول:
حرمت في سني وفي ميمتي ... قراي من الدنيا تضيفتها
لهفي على الدنيا وهل لهفة ... تنصف منها إن تلهفتها
- كذلك في قول الله تعالى:(أم منْ هذا الذي هو جندُ لكمْ ينصركم من دونِ الرحمن) أين من هذه المقاطع القوية أن يقال: من ينصركم من دون الرحمن؟