هكذا واصل العندليب توسلاته، مرسلا ألحانه الشجية حتى الهزيع الأخير من الليل. وعندما أخذ رعشاته الرنانة تخفت شيئاً فشيئاً، ومع ذلك فقد كان يتعالى في صوته تنهد الشوق الظامئ. ولكن سكن الشادي في النهاية. وتنهد برفق وعمق مصعداً (آهته) الأخيرة
وفي تلك التنهدة التي طال مكوثها بين شجيرات الورد ناحت (الأمنية) التائهة الظامئة
وقف الشاب يستلقي ليل نهار على العشب الأخضر تحت ظلال أشجار الغابة الهرمة، يحدق في السماء الصافية
وكان النسيم يتهادى ما بين الأغصان فيلامس الأوراق برفق ويقبل وريقات الأعشاب بابتسامة هادئة حنون
وأما الأشجار العظيمة والأغصان القوية فقد بقيت هادئة دون حراك، لأنها كانت مستغرقة في سبات عميق؛ وفي أحلامها الأبدية كانت تكمن الأسرار العظيمة، ولذا كان النيسم الخفيف الروح يمر بها بهدوء مداعباً أوراقها فقط، كي لا يعكر عليها صفو الهدوء السني.
ولم كانت تهجع في نوم عميق شبيه بنوم الأموات؟
أليس ممكناً أن يعثر الشاب على أمنيته في نومها المسحور؟
وأرهف سمعه إلى هدير الجدل المنحدر من قمم الجبال المكسوة بالثلج الدائم، ولقد عظم هديره، وأخذ يصارع الصخور فيحمل معه قطعاً كبيرة منها، ويخدش بها صدر الجبل.
فأن كان الجدول يسرع في جريانه؟
لم يكن يدري. . .
لقد كان ينحدر هائجاً مزمجراً منذ الأزل، لا يعلم له وجهة ولا قصداً؛ فلربما أنصب وتلاشى في البحر أوفي سيل جارف، أو في الرمال المتناثرة وهذا ما لم يكن الجدول يعلمه.
وأما هديره وخريره. . . أليس تعبيراً عن غضب واهن علة (المجهول)؟!. . .
ولكنها (الأمنية). . .!
لم يكن الشاب يستطيع أن يحمل عبئا المجهد، فلقد كان ثقيلا عليه؛ وهكذا عبر العالم باحثاً عن (سعادته).