للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفائدة من كل أسفاري؟)

فرق قلب الشيخ وأخذ يشعر مع الشاب الحالم، وقال: - (لا تبك، هاهو ذا السبيل الذي تقصد! إذهب، فما زلت فتيا بعد! ولكن أحداً لم يعثر عليها حتى الآن؛ فإذا ما عدت، فما من شك في أنك ستجلب (السعادة) إلى هذه الأرض!).

فسار الشاب في طريقه، وكأنما فارقه التعب بعد سفرته الطويلة، لأن الناسك ولد في روحه الأمل الذي صار ينمو كل يوم وتنمو معه (أمنيته). وأخذ يضرب في المسالك الوعرة، ويرقى الجبال والتلال. . . وكانت قمم الصخور تتألق على ضوء أشعة الشمس الباهتة المنحدرة إلى المغيب، وحول هذه المرتفعات كان (الموت) يحوم ويسمم الهواء بأنفاسه. ولم يكن هناك أي شئ ينبئ (بالحياة) أو (الشباب).

كان كل شئ ساكنا هادئا كأنما ينذر بالسوء، أو كأنما حلت عليه لعنة القضاء العاتي العنيد. وظهرت فجأة في طريق الشاب هوة سحيقة. فوقف واجماً على بعد بضع خطوات منها، وقد استحوذت عليه الدهشة والخوف. . . وأخذ يتصاعد من أعماقها ضباب كثيف، وأخذ هدير الجدول تحت الأرض يدوي صداه المتصاعد من الأعماق السحيقة، فيملأ الجو هولاً ورعباً. . . وقد كان في الإمكان الاستماع تحت ستار الظلام، إلى هياج العناصر الرعيب، ومع ذلك، فإن الخوف لم يتطرق إلى قلب الشاب.

وعلى حافة الهوة المقابلة، كانت إحدى الحوريات تستند بذراعها إلى صخرة مغطاة بالطحلب. . . وكان شعرها الذهبي يتلألأ مع أنوار الغروب، فيستبين له احمرار فاتن.

أما الشاب فقد أخذ يسرح نظره مع مجرى الدم تحت بشرتها الشفافة، وكان ينبعث من عينيها وميض ساحر غامض، ومن صدرها تنهدات متموجة متسقة. ووقف الشاب في مكانه لا يبدي حراكا؛ ومع ذلك فقد مد إليها يده؛ وفي تلك اللحظة فقط أدرك سر غناء العندليب، وعلم أين يسرع الجدول المنحدر من على الجبل، ولم احتفظت الأشجار القديمة بسر صمتها، ولمن كان الراعي يعزف الأنغام

وجثا أمام الحورية متوسلا، دون أن يحول نظراته عنها! أجل عنها! عن (السعادة) الأرضية!

ولكن (الموت) كان مختبئاً وراء تلك الحورية، فقد كشر أنيابه الكاحلة بجهامة مخيفة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>