يؤدب حتى يكون استرساله وتوقفه بحسب الإشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس، والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد فإنه تارة يكون مروضا مؤدبا وتارة يكون حجما؛ فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا. ومن اعتدل فيه بعضها دون البعض فهو حسن الخلق بالإضافة إلى ذلك المعنى خاصة. كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون البعض، وحسن القوة العصبية يعبر عنه بالشجاعة، وحسن قوة الشهوة يعبر عنه بالعفة. فإن مالت قوة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة تسمى تهوراً. وإن مالت إلى الضعف والنقصان تسمى جبناً وخوراً. وإن مالت قوة الشهوة إلى طرف الزيادة تسمى شرها. وإن مالت إلى النقصان تسمى جموداً. والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة. والطرفان رذيلتان مذمومتان. والعدل إذا فات فليس له طرفاً زيادة ونقصان بل له ضد واحد وهو الجور. وأما الحكمة فيسمى إفراطها عند الاستفحال في الأغراض الفاسدة خبثا ويسمى تفريطها بلها. والوسط هو الذي يختص باسم الحكمة.
فإذاً أمهات الأخلاق وأصولها أربعة: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل ونعني بالحكمة حالة النفس وقوة يساس بها الغضب والشهوة، ونعني بالشجاعة قوة الغضب مقادة للعقل في إقدامها وإحجامها، ونعني بالعفة تأدب قوة الشهوة بأدب العقل والشرع. ومن اعتدال هذه الأصول تصدر الأخلاق الجميلة كلها إذ من اعتدال قوة العقل يحصل حسن التدبير وجودة الذهن. ومن إفراطها يحصل المكر والخداع. ومن تفريطها يصدر البله والجنون.
وأما خلق الشجاعة فيصدر عنه الكرم والنجدة. وأما إفراطها وهو التهور فيصدر منه الصلف والكبر. وأما تفريطها فيصدر منه الذلة والصغار والانقباض عن تناول الحق الواجب. وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء. فأمهات الأخلاق إذاً هذه الفضائل الأربعة وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.