الخلق عبارة عن الهيئة التي تستعد النفس لأن يصدر منها الإمساك أو البذل هو عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة.
ونقارن الآن بين هذه الأقوال التي يقولها الغزالي وأقوال علماء النفس المعاصرين وهي أن الرغبات ليست خيراً ولا شراً في ذاتها فإن الخير والشر موجود فقط في ذلك الطريق الخاص الذي يسلكه الفرد لإشباع رغباته.
ومن الحق أن نترك الغزالي يقرر الخير والشر في طريق السلوك لإشباع الرغبات ويضع قيم الأخلاق. وينعت هذه القيم بالحسن والقبح في نور عقيدته الدينية وآدابه الإسلامية. يقول: إن حسن الصورة الظاهرة لا يتم بحسن العينين دون الأنف بل لابد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر. فكذلك في الباطن أربعة أركان لابد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق وهو قوة العلم وقوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العدل. أما قوة العلم فحسنها في أن تصير بحيث يسهل بها إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الجميل والقبح في الأفعال. فإذا حسنت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة. وأما قوة الغضب فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على ما تقتضيه الحكمة. وكذلك الشهوة، فإن حسنها في أن تكون تحت إشارة الحكمة. وأما قوة العدل فهي ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع.
ونحن نرى الغزالي قد عرف جيداً أن كثيراً ما تتصارع رغباتنا وتتعارض دوافعنا المختلفة فيكون لدينا نزوع أو رغبة في أن نسير على نهج معين من الأعمال. وفي نفس الوقت يكون فينا ميل آخر أو رغبة في أن نسلك طريقا مخالفا للأول كل المخالفة. وقد يكون هذان النوعان من السلوك متناقضين تمام التناقض فنندفع إلى هذا الطريق ثم إلى ذاك إذ لا نستطيع أن نسلك الطريقين معا فينشأ الصراع.
عرف الغزالي كل هذا فانبرى يضع القوى النفسية المصارعة في صفوف معينة ويطلق عليها إذا ما بدت سلوكاً، نعوتاً من الحسن والقبح والخير والشر والفضيلة والرذيلة يقول:
العقل مثاله مثال الناصح المشير وقوة العدل هي المقدرة ومثالها مثال المنفذ المحض لإشارة العقل، والغضب هو الذي تنفذ فيه الإشارة ومثاله مثال كلب الصيد فإنه يحتاج إلى أن