إن الانكسار فيه ثورية لطيفة. ولكن هذا البيت لا صلة له بالأبيات السابقة!
أما السيد ميشال فقد هزني شعره أول ما نظرت فيه، وقد أعجلني هذا الشعر حتى زاحم أنفاسي وأعجل عيني على حروفه المتحركات في صخب. . إنه شعر أصيل، وكأنه كان معتقاً في خلد الشاعر منذ أمد، فلما سنحت المناسبة سال وفاض، وماج وهاج. . كما يشطح الصوفية وهم في مرتبة الفناء. إنه يقول:
عاش يهواها ولكن ... في هوان يتكتم
كلما أدنته منها ... لاصق الثغر وتمتم
دأبه التقبيل لا ينفك ... حتى يتحطم!
إن كلمة (عاش) هنا تخلع الإحساس على هذا الفنجان الذي عاش فعلاً في كنف هذه السيدة وبين أنفاسها وهي قد خلعت عليه جوها الخاص. . ثم (يتكتم)، وهذا الكتمان يصور حال هذا الفنجان وعشقه المكظوم وإطراقه ووحدته ثم صمته الحزين - وهنا شيء هائل يزحم نفسي ولا أستطيع التعبير عنه - فأنا أشبه هذا الفنجان العائش - وكم في الناس مثله من فناجين - ولكن ليس لي سيدة تعطف علي أو أجد منها غفلة لأحس مسها. فما أخبثه من فنجان سروق وما أظرفه!
ثم يندفع الشاعر العملاق فيقول (كلما أدنته منها). . . ولا أملك إلا أن أصيح: واغوثاه!. . إن الفنجان العاشق الكتوم لا يستطيع الدنو منها، فإذا (أدنته) في رفق ولطف (لاصق الثغر وتمتم)! و (لاصق) هذه ليست كلمة ولكنها شعور مطلق، و (تمتم) هذه رقية الشعر وتميمته في هذا البيت بل هي طلسم السحر فيه. . إن ذلك الفنجان العاشق الكتوم، انتظر طويلا فلما أحس حرارة اللقاء، أدهشته المفاجأة ولم يصدقها وأعجله الشعور الجارف العاصف فتمتم. . وليسمح لي الأستاذ في صيحة أخرى: واغوثاه! واغوثاه!
ثم الخاتمة الطبيعية لهذا الاندفاع الشعوري:(دأبه التقبيل) وهذا إصرار عذب معذب. . (ولا ينفك) وكيف ينفك؟! وقد وجد المورد الروي الخفاق بعد ظمأ. . (حتى) وهذه الغاية المطلوبة (تحطم). . وهذه نهاية القبلة التطبيعية ذلك الجيشان المسعور المتعجل - ذلك الفتور. . تلك الراحة. . ذلك الخدر. ذلك التحطيم!! وهكذا تمر هذه العاصفة الشعرية بنفسي فتترك صدى من بعدها بعيد الرنين.