للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأهوازية من الحجاج عندما سمعت أنه سيتزوج من عفراء، هو نفس موقفها منه فيما يختص بأم كلثوم، وكذلك فيما يختص بهند. في تثور ثم تهدد، ثم تعود لتقف نفس الموقف، وكذلك موقف الحجاج منها فهو كل مرة متساهل متسامح، وعندما تحاول أن تلين قلبه، يقترب منها ثم يبتعد نافراً، ثم يعلن أنه سيتزوج من غيرها.

هذا، وفي كل مرة تظهر فيها الأهوازية لتلتحم بالحجاج، أو تختفي فراراً منه، كان يصاحب ظهورها أو اختفاءها مفاجأة مفتعلة، بعيدة عن المنطق والعقل. فقد ظهرت في حياته فجأة، مدعية أن روح بن زنباع خمش وجهها لتنقذه من غضب الخليفة، وهذه ولا شك طريقة صبيانية لا يقبلها عقل أو منطق. وقد أمرها الحجاج بالذهاب إلى مكة، فعادت إليه متخفية في صحبة عبد الله بن منصور في اللحظة التي كان يخطب فيها أم كلثوم لتفسد عليه خطته. ثم فرت منه لتعود إليه فجأة متخفية في ثياب فتى أعرابي لتقتله. ثم تلقي بنفسها في النهر لتعود متخفية في ثياب رسول من رسل شبيب لتفاوضه في تسليم نفسه، وبعد أن يأمر الجند بضربها بالسياط نراها وقد عادت إليه راضية قريرة. . . وبهذا الافتعال والتلفيق بدت هذه الشخصية في صورة خرافية بعيدة عن الطبيعة والصدق.

ومن هذا يتضح أن الجانب العاطفي الذي صوره المؤلف من مخيلته، بعيد كل البعد عن الحياة، ولا تأثير له على المشاهد وبهذا فقدت المسرحية القدرة على بعث الحياة، والإثارة، ولم يبق فيها سوى الجانب التاريخي.

ولقد أساءت شخصية الأهوازية إلى الصورة التاريخية للحجاج، وتعارضت مع أبرز صفاته، وهي القسوة الصرامة، فالحجاج الذي لا يتسامح أبداً، كان متسامحاً معها، يعفو عنها وقد حاولت قتله، بل إنه ليستخدم أساليب الخداع عندما حاول استمالة قلبها في مشهد الحصار، وقد أظهر المؤلف الحجاج في موقف يتنافى مع الشهامة العربية عندما أمر الجند بضرب الأهوازية بالسياط بعد أن أنقذته من حصار شبيب.

والخط الذي سار عليه المؤلف في تتبع الحجاج في فترات حياته المختلفة، هو نفس الخط الذي سار عليه المؤرخ والمترجم، ولانعدام الصراع بدت المسرحية من حيث الموضوع، وكأنها عرض تمثيلي لحياة الحجاج. ولتقيد المؤلف بحرفية التاريخ، وبطلان تأثير الجانب العاطفي الذي تخيله، انقطعت صلة المسرحية بالحاضر وأصبحت قيمتها إخبارية بحتة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>