للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأول ما نأخذه على المؤلف هو اعتماده على الممثلة في تصوير المرأة في حياة الحجاج، وكان من الخير له أن يستند في تصويره على امرأة حقيقية لها مع الحجاج قصة عاطفية فيجسم هذه القصة، ويكملها من مخيلته ليصل إلى غرضه، وبهذا تبدو الصورة للمشاهد قريبة من الحقيقة، فيستجيب لها. أما أن يعتمد على صورة خيالية لا تمت للواقع التاريخي بأية صلة، فهذا من شأنه أن يشعر المشاهد بغرابة الصورة، وينفره منها.

ومن حيث الصراع العاطفي، وهو الأساس الأول في التأثير على المشاهد في مثل هذه المسرحية التاريخية. نرى أن المؤلف لم يحتفظ بالتوازن بين قوة الحجاج وقوة الأهوازية، ليقيم بينهما صراعاً عاطفيا متكافئ القوى فالأهوازية لم تستطع النفاذ إلى قلب الحجاج في أي موقف من المواقف. بل كان موقفها سلبياً في كل موقف التحمت به. فهي تغار وتثور وتهدد عندما ترى عفراء، وتعلم أنه سيتزوجها، فيصرفها الحجاج بكلمة. . وعندما تعلم برغبته في الزواج من أم كلثوم تفر منه، وعندما تعلم بعزمه على الزواج من هند بنت أسماء تلقي بنفسها في النهر. . . وعندما يحاصره شبيب، يوهمها بأنه يحبها، فتفك الحصار عنه. . وعندما يفك الحصار، يأمر جنده بضربها بالسهام. ومع كل هذا تعود إليه وبهذا انتفى الغرض الأول من خلق هذه الشخصية وهو إقامة الصراع بينها وبين الحجاج.

وعلى الرغم من كثرة المشاهد العاطفية بين الحجاج والأهوازية لم يستطع المؤلف أن يعطينا أية فكرة عن حياة الحجاج العاطفية. فقد صوره معجباً بها، عطوفاً عليها، وهو مع هذا منصرف عنها يرغب في الزواج من عفراء، ثم من أم كلثوم وهند بنت أسماء ليحقق أغراضه السياسية.

وعندما فرت منه جعل يبحث عنها، وعندما حاولت قتله أبرزه متساهلا معها، ثم جعله يقترب منها مظهراً افتتانه بها ثم راح يقذفها على الأرض معلناً أن الحب لم يقع منه ببال، وعندما ألقت بنفسها في النهر راح يصرخ في الجند أن يأتوه بها حية أو ميتة، وعندما أقنعت شبيباً بفك الحصار عنه، أمر الجند بضربها بالسهام. ومن هذا يبدو جليا أن المؤلف كان يبتعد في كل خطوة يخطوها عن الغرض الذي خلق من أجله شخصية الأهوازية، وأنه كان يفسر الغموض بالألغاز.

ولقد كانت المشاهد العاطفية بين الحجاج والأهوازية مكررة ومتشابهة تمام الشبه. فموقف

<<  <  ج:
ص:  >  >>