على رائع ما قالوا، وبديع ما وصفوا لم يبلغوا شيئاً من وصف حقيقته، أللهمَّ إلا أبياتاً للبوصيري رحمه الله وها هي ذي:
كيف ترقى رقيك الأنبياء ... يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساورك في علاك وقد حا ... ل سني منك دونهم وسناء
إنما مثلوا صفاتك للنا ... س كما مثل النجوم الماء
أنت مصباح كل فضل فما تص ... در إلا عن ضوئك الأضواء
وحقاً لقد صدق الشاعر في قوله:
ما كلام الأنام في الشمس إلا ... أنها الشمس ليس فيها كلام
ولما بلغ بي الأمر إلى ذلك استخرت الله في أن أتخطى عصرنا هذا الى العصور الماضية - وبخاصة بعد أن ألفيت أن كل ما يقال في عصرنا متشابه حتى اصبح حديثاً معادا - فأغذذت السير في بيداء الزمن حتى وافيت عصر الصحابة وهم الذين سعدت أبصارهم بشهود حضرته، واستنارت بصائرهم بساطع حجته، ثم عدت مع الزمن الى عصور من أتوا بعدهم من التابعين ومن تبعهم رضوان الله عليهم أجمعين لعلى أقتبس من سني أقوالهم في مولده (صلوات الله عليه) قبساً أنير به هذه الذكرى لتصح المناسبة، وكذلك حاولت أن ابحث عن صنف الحلاوة التي كانت تصنع في أيامهم في ذكرى المولد الكريم. وبعد أن أمعنت في البحث. وبالغت في التنقيب ظهر لي أمر غريب ربما تدهشون له
ذلك أني لم أجد من صحابة النبي وخلفائه الراشدين ولا من التابعين من تبعهم وهم بنص الحديث خير القرون قولاً يقال في حفل يقام لمولده (ص) في شهر ربيع الأول من أي عام!!
ولما استنبأت التاريخ عن أول من أحتفل بمولده (ص) أخبرني أن الذي ابتدع هذا الاحتفال هو السلطان المظفر أبو سعيد صاحب إربل الذي تولى الحكم من سنة ٥٨٦هـ إلى سنة ٦٣٠ هـ وبذلك يكون هذا الاحتفال قد أبتدع بعد نحو ستة قرون من مولده (ص) ولأن هذا العمل محدث فقد أختلف فيه شيوخ الدين ولهم آراء كثيرة في الإباحة والمنع لا نتوسع بإيرادها.
لعلكم تعجبون من أن ينقضي عهد الصحابة وفيهم الخلفاء الراشدون ثم يتولى عصر السلف