الصالح الذين هم أعلم الناس بفضله والتنويه بذكره ولا يقام للنبي (ص) احتفال بمولده! ثم يظل الأمر على ذلك قرابة ستمائة سنة حتى يأتي رجل تركماني فيحتفل به ويقوم بعمل لم يعلموه!
ولم يقف الأمر بالصحابة عند ذلك بل رأيناهم قد أهمله غير هذا أمراً عظيماً، ذلك أن النصارى قد جعلوا مولد عيسى عليه السلام مبدأ لتاريخهم ولكن تاريخنا لم يكن من مولده (ص) وإنما جعل من هجرته فهل كانت عناية المسيحيين بنبيهم أشد وأقوى من عنايتنا برسولنا؟
وهناك أمر ثالث عثرنا عليه في بحثنا، ذلك أنه لما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى دفنوه حيث قبض ولم يشيدوا على رفاته قبراً مخصصاً ولا أقاموا على القبر قبة عالية مزخرفة ولا وضعوا عليه أستاراً من حرير أو أقفاصاً من نحاس أو حديد كما يوضع لقبور الأولياء وظل الأمر على ذلك حتى جاء بعض ملوك مصر فأقام عليه قبة وكان ذلك على ما يحدثنا التاريخ سنة ٦٧٨ هـ أي بعد سبعة قرون من موته (ص).
هذا ما أنبأنا به التاريخ من عمل الصحابة، لا يعنون بتشييد قبره (ص) ولا يحتفلون باليوم الذي بزغت فيه شمس نوره، ولا يؤرخون بيوم مولده! فهل بعد ذلك منهم إهمالا أو تقصيراً في حقه وما يجب له صلوات الله عليه؟؟
كيف كانوا يحتفلون به؟
كلا! وما كان لنا أن نرميهم بالإهمال أو نحكم عليهم بالتقصير فليس في المسلمين أحد على مد التاريخ الإسلامي كله يعرف من قدره (ص) مثل ما يعرف صحابته ولا من جاء بعدهم وإنما كان احتفالهم به (ص) احتفالا أروع من احتفالنا، واحتفاؤهم بذكراه أجل وأوفى من احتفائنا.
إن احتفالنا بمولده الشريف واحتفاءنا بذكراه إنما يكون في كل عام مرة! فينظم الشعراء في وصفه فرائد الشعر، وينسج الخطباء لمدحه برود النثر، وتزين الأماكن بالثريات وترفع عليها الرايات. هذا كل ما نصفه!. ولكن وا أسفاه! لم يكد يفرغ الشعراء والخطباء من قولهم حتى يكون الهواء قد حمل كل ما يقولون فبدده بين أمواجه. وقبل أن نغادر الحفل تطوى الأعلام وتطفأ الأنوار وتحمل المقاعد الى حيث أتت ولا يبقى من كل ما عمل