في الأصيل يستمعن إلى ترجيع أغانيه في طرب ونشوة، ثم يتفرقن قبل أن يزحف الظلام وألف إسماعيل أن يراهن كل يوم، وان يبادلهن الحديث البريء في شؤون وفنون. . . وزال الحجاب بينهما على الأيام
وأطال إسماعيل الجلوس يومئذ حتى غابت الشمس، ولم تصعد واحدة. ترى ماذا منعهن الليلة، وقد اعتدن واعتاد منذ شهر أو يزيد - منذ سكن هذا الدار - أن يجالسهن جميعا أو أشتاتا، ساعةً أو بعض ساعة كل مساء؟. . . ومد الظلام رواقه على القاهرة، وعلى قلب المبعد اللهفان
ودخل غرفته فأشعل مصباحه وبسط دفتره، فإذا هو لا يكاد يرى، وإذا الكلمات والسطور تتلوى أمام عينيه، كما تشاهد فرقة زنجية راقصة. . .!
وطوى دفاتره وارتدى ثيابه وخرج إلى الطريق؛ كانت الليلة ليلة الجمعة، فلم يجد حرجا أن يقضيها في السينما. . ووقف ببابها متردداً وهو يحصي النقود في جيبه، وعيناه تتبعان المارة أزواجاً وجماعات، وهو وحده من بينهم لا يتأبط إلا همه! ليته كان يستطيع أن يدعو واحدة من صديقاته في الدار إلى نزهة، فيصحبها ذراعا إلى ذراع في الطريق كهؤلاء الذين يرى! ولكن من أين له، من أين له المال؟
كم يكفيه ليقضي ليلة سعيدة في صحبة فتاة؟ لقد عرف القاهرة الآن عرفاناً تاماً، فلا سبيل إلى أن يخدع سيشاهد معها السينما في شرفة ذات أستار، ويتعشيان معاً في مطعم فاخر، ثم يستقلان سيارة إلى الهرم، ويشتري لها كل ما تهفو نفسها إليه في الطريق، وبعدئذ. . وبعدئذ يعودان إلى الدار
وفرغ من حسبته وهو يبسط أصابعه ويطويها يحصي ما انفق، وعيناه تأخذان كل من يمر به. . جنيه، جنيه واحد سيمنحه سعادة ليلة! وسخر من نفسه حين انتهى إلى ذاك: من أين له الجنيه؟
ومر به غلام يبيع الجنيهات بالقروش؛ يبيع النصيب! ومد إسماعيل يده فأعطى البائع قرشاً، وتناول ورقة فطواها بعناية ووضعها في جيبه؛ كأنما هو يطوي الجنيه الذي سيصل بين يقظته وأحلامه. ثم عاد إلى البيت فلم يشهد السينما
لم يفكر في شيء من أمره تلك الليلة، فنام ملء عينه وملء بطنه! ورأى أباه في الرؤيا