مصر إلا بعد ذيوع العربية بين المصريين وتحولها لغة الشعب، وحينئذ بدت بعض الحكم العربية تدخل - متخذة قالباً سهلاً - العامية، ثم تهضم ويتمثل بها. ولسنا الآن في مجال بحث نشأة المثال العامية في مصر، بل إننا لنكتفي بالقول بأن الأمثال التي سنقولها بعد والتي سنعرف منها جانباً من نفسية الشعب المصري قد نشأت وتطورت في عصور الظلام، عصور الاستبداد التي نشبت أظفارها في جسد المصري فأقصته عن الحكم، وألصقته بالأرض يفلحها وبالماشية يسيمها ثم انتزعت من بين يديه ثمار غرسه ونتاج تربيته، ولم نترك له ألا قشر ثمرته التي جناها وعظام ذبيحته التي رباها، هذه العصور المظلمة منذ المماليك ولأتراك إلى ما قبل يومنا هذا بقليل.
ولنأخذ الآن في تحليل نفسية الشعب المصري من أمثاله، ولن نتناول الآن إلا ناحية واحدة هي (الميل إلى الاستكانة والشعور بالدونية، وسريان روح اليأس والدعوة الى الخنوع وعدم الرغبة في الكفاح) ولست أدري هل هي فطرية - وأعوذ بالله أن تكون كذلك وإن التاريخ لينفي أن تكون فطرية، أو مكتسبة؟ واكثر الظن أو الأسلم أن نقول (إنها مكتسبة اكتسبها الشعب نتيجة لعصور الطغيان والاستبداد بالأمر وإقصاء الحاكم الأجنبي عن الحكم أهل البلاد ووسمهم بأنهم فلاحون ولا يصلحون إلا لذلك فقط).
(اقعد يا أخي واسكت، هي الميه بتطلع العالي) إن هذا المثل قد اتخذ من هذه الحقيقة الطبيعية برهانا يؤيد به ما يريد أن يقوله من أن الكفاح والجهد لا يجدي. فإذا كان كذلك فلماذا لا تريح نفسك وتدع الأمور تجري في مجاريها؟ ألا تجهد نفسك في تغييرها فإنك لن تستطيع أن تبلغ ما تريد ولن تستطيع أن تغير من حالك أو نظام الكون شيئا، (ده ملك منظمه صاحبه)(ودع الأمور تجري في أعنتها) وبت ليلك راضي النفس مطمئن الفؤاد، يا له من غر أحمق هذا الذي يحاول أن يقنع عاميا أن عليه أن لا ييئس وان لا يقنط من روح الله، أن يكد حتى يبلغ مراتب العظماء، فإنه لن يكون عنده إلا جاهلا لا يعلن أن (المية لا تطلع إلى العالي) نعم إن الماء لا يطلع العالي وحده، ولكنه يطلعه برافعات لا تحتاج إلا إلى جهد قليل، وإن الماء لا بد أن يطلع العالي إذا استطاع ماء قبله طلوعه وإن العظيم ما دام إنسانا وهو إنسان أيضا فلا مستحيل هناك في أن يصل إلى ما وصل إليه.
(إن لقيت بلد يتعبد عجل حش وارمي له)، (اللي يجوز أمي، أقول له يا عمي). في هذين