المثلين يتجلى الخنوع والخضوع والرضا بالمركز السافل والوضع الدنيء والحكم الظالم والسكوت على الذل. وإن رائحة الدم والشحم الذي حرقه الظلم لتفوح من هذين المثلين حتى تزكم الأنوف. . . فلا تحاول أن تبدل وضعاً من الأوضاع أو حتى تنتقد النظام الذي تحي في كنفه بل اعمل دأبك وابذل جهدك حتى لا تغيره، وليس هذا فقط بل عاون على تثبيت بنيانه وتدعيم أركانه، وساعد على ذلك أيضا حتى ولو كان يخالف عقيدتك. . . حتى ولو كفرت! فإن كنت مسلماً ورأيت قوماً يعبدون العجل، فلا تنههم عن المنكر أو الكفر ولا تأمرهم بالمعروف بل اعبد العجل معهم وأطعمه مبالغة منك في عبادتك. وأنت لاشك لا تحب أن تتزوج أمك غير أبيك وتأبى ذلك أشد الإباء وتنكره غاية الإنكار، ولكن إذا تزوجت فأرض بهذه الحال ولا تثر ولا تضق بل قر عينا وقل لزوج أمك، هذا الذي تبغضه من أعماق قلبك (عماه).
(حط رأسك بين الروس واسكت)، إذا ما دعا داع إلى تغيير وضع من الأوضاع أو أمر من الأمور السياسية، جوبه بهذا المثل وسخر منه وقيل له (صه. فأنت لا ناقة لك فيها أي الدولة ولا جمل)(تروح فين يا صعلوك بين الملوك) وهذا المثل كله يأس وكله شعور بالدونية والصغار وبأن الدولة التي هي دولته شيء غريب عنه، لا حق له للتدخل في شؤونها، وعليه أن يستنيم وان يرضخ للحكم كما استنام ورضخ إخوانه من. . . النعاج.
وهناك مثل آخر يكاد يدل على تقديس الحاكم ومشروعية الظلم وسموه! وهو (ضرب الحاكم شرف) وهم يقصدون ضربه حتى ولو كان ظلماً، فإن الذل والخضوع للحكام بلغ بهم أن يعدوا ضربهم شرفاً، أو إنه لما عمهم ضرب الحاكم وأذاه وهو شيء يسوئهم بلا شك، أرادوا أن يخففوا من وطأة الظلم بأن أقروه وجعلوه مشروعاً وبرروه، وهذه حالة نفسية فإن الإنسان إذا لم يجد إلا السيئ رضى به وحسنه حتى يخفف من سوئه، كالفقير يتمادح بفقره وينسب إليه كل خير ويلصق بالغنى كل نقيصة لأنه قد فاته. وكذلك الإنسان مضطر الى التكيف مع ما يكره حتى ينقص من وطأة ألمه، فهؤلاء جعلوا الظلم مشروعاً حتى يلطفوا من حدته.
وليست كل الأمثال العامية تظهرنا على نواح سيئة من نفسية الشعب - بل إن هناك نواحي مشرقة مشرفة تطلعنا عليها هذه الأمثال أرجو أن نوفق إلى إبرازها إن شاء الله.