وإن الباحث المدقق في تاريخ هذا الرجل يبدو له لأول وهلة إن كتاباته ليست سوى صورة باهتة جرت بها يد شخص ليست لديه ملكة قياسية، هذا في الوقت الذي اعتبر فيه (ما كولي) أعظم المؤرخين!
ويرى السير رتشردلفنجستون في مقدمته عن تاريخ ثوكيديدس الذي نقله عن اليونانية إنه ليس في الحيات الأدبية لأنه أمة ثلاثة تشابهت أو تساوت عبقريتهم مثل أفلاطون وأر سطو وثوكيديدس في أثينا. . . ويقول أيضاً. . . لقد كنت لدى ثوكيديدس هذه الروح العلمية التي نجدها عند المؤرخين في أيامنا.
وقد شرح لنا ثوكيديدس على صفحات كتبه النظريات عن كيفية التحقق من الروايات التاريخية، وعلى ذلك نستطيع أن نقول - ولا حرج - إنه واضع الأساس لهذا العلم الناشئ. ولنستعرض آرائه إذ يقول (لكي تبحث عن الحقيقة يجب أن لا تعبئ بأول ما يصل المتناول يدك، وعلى المؤرخ أن لا يتنكب الوصول إلى الحقيقة عن طريق أخيلة الشعراء وأساطير الأولين الذين يحاولون اجتذاب القلوب إلى أحاديثهم المشوقة عن طريق التهويل والمبالغة دون العناية بذكر الحقيقة.
ثم يعرج ثوكيديدس إلى الإشارة عن طريق تدوينه الوقائع الحربية فيقول (لا أذكر أني دونت معلومات استقيتها مصادفة، فإني لم أذكر سوى ما رأيته بعين رأسي أو قمت بتحقيقه شخصياً وتضح لي في النهاية أنه وقع فعلاً. ومع ذلك فقد أخطأه التوفيق في الحكم على بعض الحوادث، فالبعض يرى أنه كان متجنباً على الزعيم الديماجوجى (كليون) في الوقت الذي أغرق فيه في مدح الزعيم (بر كابس)، لا بأس! فأين هو المؤرخ الذي يسرد الحوادث التاريخية دون أن يتأثر بالعاطفة والتحيز؟
وقصارى القول،، أن ثوكيديدس كان يفهم تماماً الطريقة الصحيحة لتدوين الحوادث،، وكانت لديه عدة ميزات تعينه على ذلك! حقيقة كانت تنقصه العناصر المتوافرة لدى مؤرخي العصور الحديثة،، فهو لم يذهب إلى المدرسة أو الجامعة ولم يتعلم طرق البحث العلمي الصحيح،، إلا أنه تعلم طريقة الحياة وسط المفكرين الذين تبدو آراؤهم في الانعكاسات السيكولوجية لأحاديثه،، فقد كان يقص الحوادث التي وقعت في زمانه ويصور العواطف والأحاسيس التي أحس بها شخصيا واستطاع بذلك أن يمتاز بأن تصويره للحوادث جاء عن