للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صادرة عن ثوكيديدس نفسه بل هي صدرت عن الحقائق،، فإن أفلاطون رأى ما ينبغي أن تكون عليه الدولة في حين صور لنا مؤرخنا حالة الدولة في الواقع.

وهكذا فإننا لا نرى إشارة إلى العدالة أو الرحمة في تاريخه،، فقد عبر عن آراء الزعماء والقادة. وهذا صاحبه برك ليس يقول (عليك أن تذكر أن عظمة بلادك ترجع إلى أنها كرست حياتها للحرب،، ولو سرت عليها سنة التطور وأخذت في الانهيار فيكفي أنها حكمت أكبر عدد من الولايات لم تحكمه دولة أخرى).

وقد يبدو لنا تاريخ ثوكيديدس لأول وهلة سرداً للوقائع لعبور دراماتيكية مملة دون أن نشارك الفريقين المتحاربين عواطفه؛ بيد أن (فرديث) يقول: كما تبدو فكرة المواطن الصالح في (كوميديات اريستوفان) تظهر الروح الوطنية في تاريخ ثوكيديدس فهو لم يغرم بشيء قدر غرامه بأثينا) كان صاحبنا ينظر نظرة خاصة إلى الوطنية فلا يكتفي بأن يكرس الفرد جهوده لوطنه بل عليه أن يعشقه عشقاً!

وقد تحدث ثوكيديدس في تاريخه عن أثر الحرب في الأخلاق فقال: (إن المبادئ السامية تؤثر على الدول والأفراد في وقت السلم تأثيرا لا شك في أنه يبعدهم عن حقيقتهم بينما تستطيع الحرب أن تظهر الأخلاق على حقيقتها).

وقد تأثر في كتابه بالطريقة التي ابتدعها (جور جياس) السفسطائي المعروف فلم يستطيع أسلوبه أن يبلغ قيمة أساليب كتاب الجيل الذين أتوا من بعده أمثال ليسياس وديمو ستنيس،، بل لقد بلغ الأمر أن غلق على شيشرون (كيكرو) فهم بعض تعبيراته أحيانا.

وقد دون ثوكيديدس مأساة من أروع مآسي التاريخ القديم وهي انهيار أمة بأسرها وأعني بذلك (أثينا) التي عاصرها وهي في أوج عظمتها تحت قيادة قائدها العظيم نركليس،، ثم رآها وقد أمسك بزمامها قواد أوردوها موارد الهلاك تحت ستار من الديمقراطية المتطرفة (الديماجوجية)، هذا إلى أن قضى عشرين عاماً في المنفى وسط أعداء بلاده. ولعل السر في عظمة تاريخه هو أنه كان يدون مأساة حياته في الوقت الذي دون فيه مأساة أثينا.

محمد سيد محمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>