- لا لا، ويحك! لا تجمعها في مالي، إنني رجل شريف، إن مالي من عرق جبيني فلا أريد أن يمحقه المال الحرام!
- أبي!
- اسكت! قم فردا إليهم، دعهم يفرقونها على أصحابها المساكين، من يد كم بائس اجتمعت القروش حتى عادت خمسين جنيهاً؟ إنهم يخدعون الجهال البائسين فيسلبونهم القروش القليلة التي يملكونها، ليوهموهم أنهم سيقاسمونهم بعض ما يجمعون؛ بعض ما يسرقون!
- وهل يمكن. . .
- يمكن أو لا يمكن، فلن أجعلها في مالي، إنا ملونة، قذرة، هل تعرف من أين اجتمعت؟
- لا أعرف
- المال الحلال يعرف دائماً مأتاه. . .
كان قلب الولد يضحك ووجهه عابس، ولم تنته المناقشة بينهما إلى حد؛ فقد تحرج الشيخ الورع أن يضم ربح (الميسر) إلى ماله، ولكنه لم يسأل نفسه عما سيفعل ولده بالمال
وعاد إسماعيل إلى القاهره، ولكنه لم يعد إلى داره إلا بعد ليال ثلاث. . وأطل الفتيات من خلف الباب يشهدن إسماعيل عائداً إلى الدار، يصعد الدرج في زهو وكبرياء، وعليه حله جديدة، وفي عينيه فتور ينبئ أنه قضى ليله سهران
وترامى إليهن غناؤه من فوق السطح أكثر حناناًوفتنة، كما بدا هو أكثر مرحاً ونشاطاً مما كان. وتبادل الفتيات النظر، ثم ولجن غرفهن وغلقن الأبواب
لم تحاول واحدة منهن أن تصعد إليه بمرأى صواحبها، فقد بدا لهن مما تغير من هيئته وحركاته كأنه شخص آخر غير إسماعيل الذي يعرفنه ويثقن بعفته وأدبه، وكأنما ألقى اليهن جميعاً معنى واحد، فخجلن أن يبدوا له، وإن أخذت كل واحدة منهن تؤمل أن تجد فرصة من غفلة رفيقاتها لتصعد إليه وحيدة
وسبقتهن (حكمت) إلى ذاك، ولكنها لم تظهر له أو لواحدة منهن أنها تعمدت أن تصعد