هذا هو دليل الإثبات الأول الذي يعوزك يا صديقي أن تقدمه، والذي يجعل ذكاءك محصورا ً في دائرة ضيقة محورها الظن الذي تحس به النفس ويفتقر معه العقل إلى برهان. هذا البرهان الذي كان يمكن أن تضع عليه يدك في رسالة هجرن الأخيرة وهي تشكو وطأة القيد وظلمة السجن وقسوة السجان! عد إلى رسائلها الأولى ثم قف طويلا عند هذه الرسالة الأخيرة، وقارن بين بعض الظواهر هنا وبعض الظواهر هناك، وأنا واثق من أنك ستجد المفتاح الضخم الذي يمكنك أن تضعه في ثقب الباب ليفتح، ويكشف لك عما وراءه من حجرات يسطع فيها الضياء. . بعد هذا دعني أقدم لك عدداً من المفاتيح بدلا من مفتاح واحد، ولك أنت أن تضع النقط فوق الحروف كما يقول الصحفيون!
لقد قلت في ردي على أول رسالة من (الآنسة) هجران إنني اعتقد أنها أديب سوري يخاطبني من وراء قناع. . وحين تلقيت رسالتها الثانية التي ظهرت فيها بمظهر الغاضبة والعاتبة على هذا الاعتقاد الذي لا أساس له من الصحة كما تعبر البلاغات الرسمية رحت أعتذر إليها من هذا الاعتقاد (الخاطئ) الذي كان مصدره أنني لم أقرأ لها شيئاً من قبل في الصحف والمجلات. . قلت هذا وأنا باق على يقيني الأول لم يشغلني عنه أنها عازمة على الحضور إلى مصر في المؤتمر الثقافي لتثبت لي شخصيتها الأنثوية، ولا أنها بعثت إلي بعنوانها في دمشق كوسيلة من وسائل هذا الإثبات. . قلته وأنا واثق من أنها لن تحضر، ولم أحاول أن أكتب إليها على ذلك العنوان لثقتي مرة أخرى من أنه عنوان لا وجود له، وقد أثبتت الأيام في الحالين صدق هذا اليقين!!
وقالت الأديبة السورية المعروفة السيدة وداد سكاكيني وهي تزورني في وزارة المعارف عقب إنهاء المؤتمر الثقافي: أود أن أقول لك إن شخصية (الآنسة) هجران شوقي شخصية خيالية. . وقلت لها رداً على الفتة البارعة: وأود أن أؤكد لك أنها كذلك! وارتسمت على وجهها صورة من الدهشة وهي تقول مرة ثانية: ولماذا إذن تنشر لها قصائدها ورسائلها ما دمت تعتقد أنها شخصية مستعارة؟! وأجبت وقد علت شفتي ابتسامة ذات معان: لسببين. الأول لأنني لا أريد أن أغلق في وجهها الباب لتبرهن (هي) على شخصيتها الأنثوية تحتاج إلى إثبات، وقد برهنت على ذلك حتى الآن بتخلفها عن الحضور في المؤتمر الثقافي! أما السبب الأخير فهو أنني راض عن إنتاجها الأدبي فهو من هذه الناحية جدير