لكن هل معنى ذلك أن المخرج يكون (بدائيا) حتما إذا لم يستطع مراعاة مطابقة مناظره وملابسه للحقيقة التاريخية حتى ولو لم يكن في وسعه - ماديا مثلا - تحقيق ذلك؟
وهل يصدقني عزته إذا قلت إن الروايات التاريخية يجوز إخراجها بملابس ومناظر عصرية؛ وإذن فإخراج الجند الشامي بملابس القرن العشرين ليس أمراً مضحكا؟!
وهل يصدقني إذا قلت إن الإخراج الواقعي أي محاولة تمثيل الواقع حرفيا هو من أسوء مذاهب الإخراج؛ وإذن فكتابة الأعلام بالخط النسخ بدلا من الخط الكوفي مثلا لا تضير كثيرا، ولا سيما إذا لم يقصد المؤلف تصوير الحجاج بن يوسف الثقفي بقدر ما قصد تصوير (الإنسان) و (المثال) و (الرمز)؟!
لقد كنت أرجو أن يتحدث النقاد الأفاضل عن الإخراج في صميمة وموضعية ويقدروا الجهد الذي بذله المخرج في إبراز المعاني الكامنة والغامضة التي قصد إلى استجلائها المؤلف. كنت أرجو أن ينهوا بما توخاه من تضخيم قطع الأثاث ورفعها على قواعد عالية وما تشاكل ذلك في كل ما يتصل بالحجاج ليطابق هذا ما كان يعتمل ويحتدم في باطنه من استعلاء
والتمثيل. . . إن أقصى ما قيل أن زكي طليمات قد بلغ الذروة. . . ولكن ما هي هذه الذروة وأين مكانها وكيف تقلب بين مراحل دوره المتفاوتة وكيف أعطى لكل مرحلة ما يناسبها من نفسه وجهده وأعصابه وذاته، وكيف تمكن من إخفاء شخصيته الحقيقية وإبراز شخصيته التمثيلية لدرجة أننا لم نعرفه على خشبه المسرح لأول وهلة، وكيف صمد لمختلف المواقف والانفعالات بالرغم من دوران الرواية كلها حوله نحو أربع ساعات تكاد تكون بغير انقطاع
وبعد فبقدر ما الأستاذ عباس خضر في كلمته المعتدلة التي أعلتها روح التشجيع الواجب - فيما أرى_إزاء مؤلف أخلص للفن لمحض الفن حتى صار في مقدمة مؤلفينا، ومخرج وطد العزم على أن يجعل من فرقته نواة لمسرح الغد. . وبقدر ما وفق الأستاذان رمزي بك والزحلاوي في توخي الصراحة والنزاهة والقصد حتى في قسوتهما أحيانا. . لم يستطع الزميل أنور فتح الله إخفاء تحامله بين سطور كلماته الغاضبة
ولولا تعقيب (الرسالة) عليه بما استحقه لصارحته جهراً بالأسف على ما انساق إليه بلا