أنقذ بيت المقدس من براثن الصليبيين، وجعل المدرسة داراً للحديث باسم السادة الشافعية.
نجح الشيخ شاويش في هذا وفاز بأمنيته، وباشر تأسيس الكلية وترتيب فصولها وتنظيم برامجها.
ودعيت من (طرابلس الشام) إلى معاونته في عمله، فلبيت الطلب، وأسرعت إلى القدس أهدى من القطا الكدرى. وأعلن خبر افتتاح الكلية الصلاحية في طول البلاد وعرضها، واجتلبت الأساتذة إليها، واقبل الطلاب من كل حدب عليها. وكانوا يؤمونها لا لطلب العلم وحده، بل للتخلص من أهوال حرب كانوا يعتقدون أنها شر وبلاء عليهم وعلى دولتهم. وكان الخلاف بين الترك والعرب لحين نشوب تلك الحرب في منتهى شدته، وعلى أحر جمرته.
وكان من أساتذة الكلية المرحوم محمد رستم حيدر الوزير العراقي، والمرحوم إسعاف النشاشيبي الأديب الفلسطيني؛ ومن طلابها المرحوم محمد الأنسي البيروتي رئيس وزراء شرق الأردن. وعباس باشا ميرزا الشركسي وزير داخليتها اليوم، والشيخ يوسف ياسين الوزير السعودي، وصبحي بك الخضرا السياسي الفلسطيني. وليس الشأن أيها السادة في هؤلاء وأولئك، وإنما الشأن في رهط من أبناء مصر الأحرار أووا إلى الكلية في ذلك الحين العصيب كما أوى فتية أهل الكهف إلى كهفهم. فخصص لهم نقيبهم الشيخ شاويش جناحاً من بناء الكلية؛ فكانوا يقيمون فيه ولا يبرحونه إلا ريثما يتناولون قوتهم في مطاعم المدينة. ثم يأوون إلى كهفهم دون أن يشعر بهم أحد.
ولا غرو أن يكون مدار حديث هؤلاء الفتية في خلوتهم على الحرب ونتائجها، والحملة التركية ومناهجها، وكنت أنا وصديقي الشيخ شاويش ننظر في أمور الكلية وقبول الطلاب الحائزين للشروط، ونريح أنفسنا أحياناً بزيارة الفتية في كهفهم، بل الأشبال في عرينهم.
وما كان أشد اغتباطي حين أخذني الشيخ شاويش من يدي لأول وصولي إلى الكلية، وجاء بي إلى أولئك الأشبال في منامتهم. هذا مستلق على سريره وبيده كتاب، وآخر منتبذ ناحية يقرأ جريدة، وذاك ينفض الغبار عن معطفه، وهنالك من يأمر الفراش ببعض حاجته.
وقدمني إليهم صديقي شاويش باسم (المغربي) المحرر في جريدة المؤيد منذ خمس سنين.
فهشوا إلى لقياي، وأخذت أعانق من أعرف، وأصافح من لم أكن اعرف؛ ثم قال لي الشيخ