مشرعوها يحدثون أنفسهم بالوصول يوما إلى نظام ينطبق على الفطرة من جميع الوجوه. والمسلمون في شغل بما ينبذ إليهم الغرب من الآراء والمذاهب، غافلين عن الكنز الذي في أيديهم والنور لذي فوق أبصارهم، وعن النعمة الكبرى التي من الله عليهم بها في الإسلام.
وليس وصف الإسلام بأنه نفس الفطرة التي فطر الله عليها الناس من باب المبالغة كما قد يظن بعض الناس، فليس في الآية الكريمة من أدوات المبالغة ولا من قرأتها شيء. بل هو وصف دقيق للدين الذي أنزله وكمله وأمر الناس بإقامة الوجه له مائلين عما سواه فهو وصف محيط شامل لتمام انطباق دين الله على الفطرة التي فطر عليها الناس حتى كأنما هو هي، لا تخالفه في شيء ولا يند عنه منها شيء وفرق بين المبالغة وبين هذا التعبير الدقيق عن تمام تطابق الإسلام والفطرة. إن المبالغة فيها دائماً تزيد عن الواقع ولو قليلا، لكن الوصف هنا طبق الواقع من غير زيادة ولا نقصان مادام الواصف هو الله الحق سبحانه الذي فطر الفطرة وأنزل الإسلام لا سعاد الناس.
ويمنع أيضاً من احتمال المبالغة في ذلك الوصف الإلهي المعجز أن مجرد القول بها يجعل الدين مقصراً تقصيرا ما عن حاجة الإنسان بفطرته، وعندئذ ينفتح باب من جواز تطلب سد تلك الحاجة في غير ما شرع الله للإنسان من دين. وهو باب إن انفتح أوشك لما يحيط به من إبهام أن يؤدي إلى التحلل حتى من أساسيات الدين وأصوله كما يحاول بعض الأفاكين أن يلقي قي روع المسلمين اليوم. لكن الله برحمته وحكمته، وهو أعلم بما خلق وأعلم بما نزل وشرع، قد سد هذا الباب من الاحتمال إلى الأبد حين وصف الإسلام لتمام التطابق بينه وبين فطرة الإنسان بأنه هو نفس الفطرة. وأرقى ما يمكن أن يطمح إليه الإنسان من الرقي الروحي أن يحقق لنفسه فطرتها، وأن يبلغ في الترقي أقصى ما تسمح به فطرته. وليس إلى هذا سبيل إتمام الاستمساك بين الفطرة الذي وصفه منزلة بأنه هو نفس الفطرة: الإسلام.