النبي المنبر وقال (يا أيُها الناس يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعم من قتله، لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء).
ومر شاس بن قيس حبر اليهود بالأوس والخزرج وقد اجتمعت كلمتهم، فغاظه ذلك الائتلاف بينهم فقال: قد اجتمع بنو قيلة، والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، وأمر فتى من اليهود بالدس بين الأنصار، وظل بهم حتى تنازعوا وتوعدوا على الحرب، وخرجوا بالسلاح واصطفوه للقتال.
وعلم بذلك حارس الأمن السلام، فخرج إليهم فيمن كان معهم من المهاجرين وقال:(يا معشر المسلمين، الله الله، اتقوا الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم. .).
فعرفوا أنها من نزع الشيطان وكيد العدو، فبكوا وتعانقوا ثم انصرفوا مع النبي وقد نزل عليه (يا أيُها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى آيات الله عليكم وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى الصراط مستقيم، يا أيُها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) وإذ يقول نبي الرحمة (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض) إنما يدل على أن الكفر هو العدوان وأن الإخاء هو السلام بل الإسلام الذي هو أن يسلم الله قلبك وأن يسلم الناس من لسانك ويدك).
ومضى على النبي عامان نشر فيهما لواء السلام على أهل المدينة واطمأنت فيه النفوس، وأصبحت آيات القرآن تخاطبهم (يا أيُها الذين آمنوا) وقد كان الخطاب بمكة (يا أيُها الناس) فما كان هذا التغير إلا عقب الهجرة التي تصافت فيها الصدور، وتوارت الشرور
فلما تألب اليهود والمنافقون والمشرقون على دعوة السلام، لم يكن بد من أن يتنزل على محمد الأذان بالجهاد (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. وإن الله على نصرهم لقدير) فكان الجهاد من لزوم ما يلزم السلام، شأنه الصفاء لا يرتجي إلا في غمرة العواصف والأعاصير، ولا بد دون الشهد من إبر النحل.