كن إذا شئت آمناً مطمئنا ... لم نحاول لما تقول انتقادا
ذلك شعر طه حسين أيام كان طالباً بالأزهر منذ أربعين سنة وهو يدل على أنه نشا شاعراً بالفطرة وقال الشعر وهو صبي، وأخذت شاعريته تنمو نمواً مطرداً سريعاً يصاحبها إحساس فياض وعواطف حارة وشعور متدفق. وقد شهد له إخوانه في الأزهر بذلك وأقروا له بالسبق واعترفوا بفضله وتفوقه عليهم. وكثيراً ما تجد في نثره سمات الشعر.
أما شهره فقد كان فيه مجداً مبتكراً. قال الأستاذ الجليل أحمد حسن الزيات في خطبته المتقدمة (بعد عامين من هذا التاريخ (يقصد بعد عام ١٩٠٥) استطاع بطلنا أن ينزل الشعر، على حكمه ويروضه لذوقه فصاغ الشعر الحضري العصري في مختلف الأوضاع، لأنه وإن كان محافظاً في اللغة فإنه حرفي الشعر؛ رأى ما يثقل الشعر العربي من قيود القافية فوقع في نفسه أن ينفس عنه فاخترع له الأضرب المختلفة والقوافي المتنوعة على نحو ما يصنع الإفرنج في شعرهم، إلا أن شعره أجمل وأكمل لاحتفاظه بالذوق العربي والطابع الشرقي.) وهكذا أراد الشاعر الناشئ أن يخفف من قيود الشعر العربي وأن يجعله سهلا مرنا لا يحتاج إلى عناء وتعب. وقد شاع هذا المذهب عند بعض الشعراء في تلك الأيام.
وشعر الطالب طه حسين يفيض رقة وعذوبة، وقصائد الغرامية أسبه بالأدوار الموسيقية والمقطوعات الغنائية، عليها مسحة فنية جميلة، فكأنها قيلت للغناء. أنظر إلى قوله:
شادن عطف ... عطفه الحبيب
بعد أن صدف ... صدفة الملول
كم سبي ... قوله الخلوب
يملك القلوب ... ثم لا ينيل
كل ذي السهود ... منه بالنوال
إن في الجمال ... عثرة الجدود
فأنت ترى شعراً غنائياً جميلاً، ينبعث منه صوت حنون نكاد نرقص منه طرباً. وقد ظهر الشاعر أمامنا ممسكا بقيثارته ليحرك مشاعر ويهز عواطفنا ويملك قلوبنا بهذه الأنغام العذبة