ويسخر بهم وبدعاويهم التي يبعثها الرياء والغرور، قال أحد شعراء المسلمين:
وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم ... وماء بدر، غير مورود
وقد وردنا ولم نسمع لقولكم ... حتى شربنا رواء غير تصريد
وقال حمزة ساخراً:
عيشة راحوا نحو بدر بجمعهم ... فكانوا رهونا للركية من بدر
أما من فر من المشركين يوم بدر فقد أشتفي منه شعر المسلمين بالتعيير والهزاء والزراية، ومن أوجع ما قيل ي ذلك ما أنشأه حسان بن ثابت في قصيدة تعد من أقوى ما قيل من الشعر في غزوة بدر، وسجل فيها فرار الحارث بن هشام، وتركه أخاه عمرا (أبا جهل) يقتل في ميدان القتال، فبعد غزل بدأه حسان بقوله:
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقي الضجيع ببارد بسام
وتخلص من الغزل قائلا:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نصر الإله به ذوى الإسلام
لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السباع، ودسنه بحوامي
ولم يحتمل الحارث بن هشام هذا التعيير وأوجعه، واضطر أن يبرر فراره أمام القوم، فقال:
الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
وشممت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبد
وعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل، ولا بضرر عدوي مشهدي
فصددت عنهم، والأحبة فيهم ... طعماً لهم بعقاب يوم مرصا
وكان لهذا الحادث أثره ولا ريب في نفسي الحارث، فأكثرها من الشعر يتهدد به المسلمين ويتوعد، كأنما ينفس به عن نفسه ومن أكثر ما وردده شعراء المسلمين يومئذ تعديدهم عظما صرعى قريش ووصف هوانهم، ملقين على أرض المعركة، ينتظروهم مصير مؤلم في نار جهنم، ووصفهم الأسرى وقد شدوا بالأغلال وقيدوا بالأصفاد وها هو ذا حسان دائرة