لأن القائمين بالتمثيل والإخراج في مثل هذه الروايات وجدوا المشق والصورة والنموذج أمامهم في كل شيء، فلم يكن أمامهم سوى التقليد في إخراج الرواية وتخريج الشخصية ومحاكاة التمثيل في الإلقاء والإشارة.
ولذا أعد مهمة المخرج العربي ورسالته محصورة مؤقتاً في الأخذ بالروايات الكلاسيكية أو الأوربية المشهورة التي سبق للمسارح العالية إخراجها، وذلك حرصاً مني على الخطوات التي سار فيها المسرح المصري، ولكي لا نتعثر في الأخطاء الكثيرة التي وقعنا فيها في رواية (شجرة الدر) و (ابن جلا).
وليس ذلك من قبل تثبيط الهمم أو الدعوة إلى إهمال الروايات التي تمثل أزهى عصورنا التاريخية ولكني أقولها بصراحة وفي مواجهة المسؤولين والمختصين أنني أحرص على تراثنا التاريخي حرصا لا مزيد عليه، وأريد أعيش لأرى هذا التراث على المسرح، بمظهر القوة والعظمة في التمثيل والإخراج، الذي يرتاح إليه ضميري ويطمئن له قلبي وبرضى عنه شعوري وإحساسي بقدسية هذا الماضي الذي يملأ كل جوانب نفسي.
وإني كرجل بقدر رسالة المسرح العربي وأثره في يقظة الشعور القومي والوعي التاريخي لا يسعني إلا أن أشير إلى ما يصاحب هذه الفكرة من عقبات تتعلق بالبحث والدرس والتدقيق وما يلزم كل ذلك من ابتكار وابتدع وخيال وصناعة، فنحن الذين نقلب صفحات كتب التاريخ القديمة لا تعطى لأنفسنا أكثر مما نستحق أو أبعد مما نعلم إذ لكل جهد غاية ونهاية، وقد تقف بنا الجهود عند رأي أو فكرة وقد نعلم أشياء عن عصر معين، ونجهل أشياء كثيرة عن عصور أخرى، فمقدار علمنا في كثير من هذه الأمور محدود، ومقدار تشبعنا بأي عصر من العصور قاصر عليه قد لا يتعداه.
فإذا طلب إلى المسرح بفرقة المختلفة إخراج بعض الروايات التي تمثل عصر الحجاج أو شجرة الدر أو صلاح الدين أو العصر العباسي يجب أن نتدبر الأمر وأن تفكر فيه، حتى لا نقع في المتناقضات والأخطاء التي يصح أن تكون موضع انتقاد الغير وانتقاصه لسمعتنا.
وعليه أعتقد - ولا جناح عليّ في ذلك - إن جهود المسرح العربي يجب أن تتوافر على إخراج رواية تاريخية في العام الواحد، وأن يكون الاستعداد لها - ماديا - بعد درستها دراسة علمية: تستند على ثقافة وافرة واطلاع عميق على النصوص التاريخية وعلى على