إنه الألم. . . الألم الذي راح يغلف روحه في غير هوادة. . .
بدا له أن أمه عزيزة عليه. . . وأنه يحبها كما لم يحبها من قبل. . .
وتراءت له صورتها الحبيبة. . . يوم أن كانت تملأ حركتها البيت. . .
وراح يقابلها بصورتها وهي مسجاة على الفراش. . . لا تقوى على حركة. . . فزخرت بالألم نفسه. . . وناش الحزن صدره، وخيل إليه لحظة أنه لا يطيق العيش بعدها. . . هذه الأم التي أحبته من أعمق قلبها. . .
وشعر بالخزي والعار لأنه تمنى لها الموت. . .
وكان قد بلغ الصيدلية فاتباع لها الدواء وانقلب عائداً إلى البيت محتضنا أفكاره. . .
ودخل غرفتها. . .
وكانت أمه مسترخية على الفراش وقد تآلف جفناها. . . وتباطأت دقات قلبها. . . ووهنت أنفاسها. . .
وكاد مشهدها أن يستل روحه من بين أضالعه
ووسد راحته جبينها الصلت. . . وقال في صوته الخفيض
- أماه! ألا تزالين نائمة. . .
وفتحت جفنيها المطبقين. . . وكما لو كانت الحياة دبت فيها من جديد. . . تمشت على شفتيها بسمة واهنة وهمست
- إبراهيم؟
- نعم يا أماه. . . لقد أحضرت لك الدواء. . . وسيمسح الله ما بك. . . وتعودين إلى طهو الطعام لأني لا أسيغه من غير يديك. . .
ووهنت ابتسامتها حتى كادت أن تتلاشى وقالت في صوتها الهامس. . .
- لقد ضعفت يا إبراهيم. . . لا تأس. . . إنني أحس بأن حياتي انتهت. . .
وخنقته العبرات وهو يقول
- لا تقول ذلك يا أماه. إنك في خير وعافية
. . . ولم تتكلم. . . وراح ابنها يحدق في وجهها الحبيب الذي طالما طالعنه ابتسامته. . . وخيل إليه في لحظة واحدة أنه على استعداد لأن يضحي كل شيء في سبيل أن تبقى. . .