بيكون وصدم بها منهجه التجريبي الذي عجز عن تفسير قضايا الدين وأخفق إخفاقاً تاماً في تناولها.
إذاً لم يستطع مذهب بيكون أن ينهض للقيام بخدمة العلوم الدينية كما نهض بخدمة العلوم الطبيعية.
وعند ذلك انبرى بعض الوسطاء من الفلاسفة ليوافقوا بين منهج أستاذهم بيكون وبين قضايا الدين التي استعصت على التجربة وكان توماس هوبز المتوفى سنة (١٦٧٩) أشدهم حماساً، فاعتبر أن هناك شعبيتين هما (المادة) و (الوحي) وذكر أن القوانين الطبيعية تصح عليها التجربة لأنها (مادة) وأن قضايا الدين وكل ما وصل إلينا بالنقل عن رجال الدين إنما هو (وحي) أو من قبيل الوحي؛ ويجب تصديقه لأنه وحي، ولكنه لم يعلل ذلك
وهكذا أخفق وسطاء بيكون كما أخفق بيكون لما في منهجهم من ضعف وضيق حال بينه وبين الاتساع لشمول المساءل الدينية النقلية، فلم يستطيع تفسيرها
وكان هذا الإخفاق سبباً في تشكك الفلاسفة. فمنهم من ترك فلسفة المادة والروح جانباً كجون لوك. ومنهم من أنكر المادة أصالة ليتقي شرها ويصدق بالوحي كما فعل: بركلي وهيوم وأذكر أني ناقشت أستاذنا بود الأمريكي عام ١٩٤٥ م بمعهد التربية العالي للمعلمين، في فكرة الأخلاق والتربية الدينية، وكيف نوفق بين الأهداف الدينية والأهداف الدنيوية، فكان مما أجاب به قوله:(إن الأخلاق نسبية لا مطلقة، وإن الفلسفة تتعارض مع الدين) وهكذا أبي الفيلسوف التربوي إلا أن يعطيني صورة عن الفلاسفة المعاصرين في مناهجهم.
هذه حيرة!!!
فكيف نوفق بين قضايا المادة التي تخضع للتجربة وقضايا الروح التي يعسر علينا إقامة التجربة عليها؟
فكرت طويلا وقد هداني البحث إلى منهج يستطع أن يحل مشاكل المادة والروح.
وقد قلت: نعم إن طبيعة (المادة) تخالف طبيعة (الروح) ونستطيع أن نصدق بمظاهر (المادة) بإقامة التجربة عليها في المعمل فنعرف - مثلاً - تمدد المعادن بالحرارة وتقلصها بالبرودة