ثم قلت: وحيث أن (الروح) والمسائل الدينية النقلية: كحساب القبر وسؤال منكر ونكر وغيرها لا تدخل تحت دائرة حسنا ولا يمكن وضعها في معملنا - أعتبرها صادقة ما لم تقم التجربة يوماً - على إثبات ضدها، وبمعنى أوضح: إن حساب القبر صحيح ما لم يثبت بالتجربة ضده.
وهكذا نستغني عن إقامة التجربة على الأمور الروحية بقولنا للمنكر أو المكابر: أقم التجربة على ضدها أو أثبت ضدها.
وهكذا تكون تجربة الأمور الروحية صحيحة بطريق عكسي يتفق مع طبيعتها. وحيث أن المنكرين للأمور الروحية والمسائل العقلية يعجزون عن إقامة التجربة على ضدها، فإني أعتبر إبكارهم لها من قبيل إنكار الفروض العلمية. ومن أنكر الفروض العلمية فقد أنكر العلم كله. لأن الأصول الأولى للتجربة أيا كان نوعها هو الفرض الذي يسبق التجربة.
وهذا هو (المنهج العلمي الحديث) الذي وصت، واستطعت أن أوفق فيه بين قوانين (المادة) وقوانين (الوحي) حيث أخفق الفلاسفة في التوفيق بينهما.
ولعل هذا المنهج الذي رأيت أنفع لحياة العلم، لأنه لا يجعل من الدين والفلسفة عدوين يحارب أحدهما الآخر. وشعره:(يجب التصديق بالقضايا العلمية المروية عن أسلافنا ما لم يقم الدليل المادي على بطلانها سواء بالنص العارض، أو تمحيض عدم تقبل العقل المنصف لها. (أما منهج فيكون ففضلا عن عجزه وعجز أتباعه عن التوفيق بين قضايا لمادة والوحي، يضيق دائرة العلم حيث يقول: (يجب إبطال كل شيء ما لم يقم الدليل التجريبي على صحة المبطل) وهو قانون خطأ لأن التجربة غير ميسورة في كل وقت
وأنت ترى بعد هذا. أن (المنهج العلمي الحديث) الذي رأيته يوسع دائرة العلم ويرفع الشك عن الإنسان، بينما ترى منهج بيكون يضيق دائرة العلم ويقف بك موقف بك موقف الشاك المرتاب. وشتان ما بين المنهجين. فالفرق بينهما - كما ترى - كالفرق بين من يبني ومن يهدم.