للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأقوياء بعبارة أخرى.

والناس على اختلاف الأزمنة والأمكنة - يخلطون بين هذين النوعين من الحرية خلطاً يدلنا على جهل تام بمعنى الحرية، ولهذا كانت (الحرية) مرادفة للفوضى والإباحية والثورات والانقربات على نحو ما قدمنا. ولم تجد الحرية الطبيعية سبيلها للظهور إلا نادراً وبين قوم أقوياء سرعان ما نعصف برؤوسهم حميا القوة فتنزو بهم نحو الحرية الترفية، ومن هنا - كما يغلب الظن - جاء حكم ابن خلدون يرم قرر في مقدمة تاريخه أن ازدهار المدينة وزيادة الترف في أمة من الأمم أو عصر من العصور - إيذان بانهيار تلك الأمة ونهاية ذلك العصر. ومن هنا أيضاً كانت مصلحة المغلوبين في الاستقامة الخلفية والتمسك بما لديهم من تقاليد ونظم، وتقديس ما ورثه من دين ومثل. وبعبارة أخرى في العمل علة تحقيق الحرية الطبيعية. ومصلحة الغالبين تجيء على العكس من ذلك بالنسبة للمغلوبين وحدهم، أما بالنسبة للغالبين أنفسهم فلا بد لهم من تقديس نظمهم وتقاليدهم وأديانهم إذا أرادوا لذاتهم بقاء، ولهذا رأينا ساسة الدول الديمقراطية الكبرى - على اختلاف نزعاتهم - في هذه الأيام يكررون نداءاتهم بوجوب المحافظة على الفضيلة والتمسك بالأديان حتى تتحقق لهم بذلك القوة تتمكن من مواجهة الشيوعية والصمود أمام طغيانها.

وفي هذه الأيام أيضاً نجد الصهيونيين يبذرون بذور الفساد والإباحة والإلحاد باسم الحرية في مختلف البقاع حتى يكتسبوا من ضعف الناس قوة يعيشون بها ومدداً ويحقق لهم أمانيهم في أرض الميعاد؛ وما هذه الأرض إلا العالم أجمع كما يفهم من (تلمودهم) المقدس. ونظرة واحدة إلى تحكمهم في سياسة دولة كأمريكا، وإلى نوع حياة أبناء صيهود وبناتهم فيها، وكيف يغرون الأمريكان ويرونهم إلى ما يشاءون، ونظرة أخرى إلى الأدوار المماثلة التي يقوم بها بناتهم وأبناؤهم في فرنسا إيطاليا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا بل وفي إنجلترا نفسها وغيرها من الدول ترينا خطر سياستهم على العالم أجمع ومقدار أثرها السيئ في توجيه السياسة العالمية وفي التأثير على كثير من النفوس.

وقد اتخذ هؤلاء الصهاينة لأنفسهم في الأيام الأخيرة اسما تنكريا آخر ظهروا به في عالم الفكر والفلسفة وصارت لهم دولة في هذه العالم عرفت باسم (الوجودية) ونعني بها الوجودية السارترية في فرنسا تلك التي تعد أخطر مذهب صهيوني ظهر إلى الوجود في

<<  <  ج:
ص:  >  >>