فرنسا تلك تعد أخطر مذهب صهيوني ظهر إلى الوجود حتى الآن وأية خطوة على المجتمع الإنساني بل وأي جنون أدهى من الحرية في (وجوده وعدمه)، وفي مواضع عدة من مؤلفاته بأنها (التلبية المطلقة التي يتلاشى عندها كل شعور بالأثم).
كل شخص يصادفك في هذه الأيام لا تجد له حديثا سوى (الحرية) وضرورة الحرب من أجل هذه الحرية سواء أكان هذا الشخص موظفا أم تاجر أم صانع أم صحفيا أم مزارع أو سياسيا أم رجل دين؛ لأن لكل كائن حي رغباته وأطماعه وحاجاته التي لا تنقضي كما يقول الشاعر العربي القديم، ولكل فهمه الخاص لهذه الحرية، ولكل شرعته الخاصة في تحقيقها. حتى المرأة النوكاء بلغ بها هوس طنطنة التحرر المعاصرة حدا أو همها أن الأمومة والتدبير وشؤون الزوجية والبيت كلها قيود وعبودية فرضتها عليها قوة الرجال، وأن الحرية في أن تنبذ هذه القيود ليحملها الرجل طوعاً أو كرهاً كي تتزيا وتتفرع عي للأحداث الدولية والشؤون العالمية ووضع القانون الذي به تلي القضاء والإفتاء، وتسوس الرعية وتعل ما تشاء. . .
كل شيء يفعل باسم الحرية في هذا العصر: فاللص يسرق باسم الحرية، والفجور الدعارة بروج لها باسم الحرية، والتاجر يطفف ويغش باسم الحرية، والموظف يدلس ويهمل ويضرب باسم الحرية، والطالب يخرج معهد ويتسكع في الطرقات باسم الحرية، والفتاة تغشى الندوات وتتخذ الآخذان وتفعل المجون باسم الحرية، ورجل الدين يسكت عن المنكر أو يلحد هو في الدين باسم الحرية، والصحفي يستبيح الحرمات ويهدم التقاليد باسم الحرية، وهكذا كل محرم يوتى باسم الحرية، والأمر في حقيقة لا يعدو كونه انحلالا واستباحة وهدما، وفي كلمة واحدة لا يعدوا كونه (انتحارا).
وإنك حين تدقق النظر ي هذه الحرية الترفيه تجد لها جانبين في غاية الخطورة: إحداهما سلبي يقوم به صنع الاستعمار في الأمم التي يراد القضاء عليها بترويج تلك المفاسد وتزييف هذه الأثناء مما يفت في عضد هذه الأمم ويقوض أركان تقاليدها ومجتمعاتها، والآخر إيجاد فيه ينقض المستعمر على هذه الأمم بحجة تقويمها وإصلاحها أو الذود عن الهيئة الحاكمة فيها. وما إلى ذلك من مبررات لا حصر لها، ولكل منهم عذره أو كذبة الجميل المستساغ. فلإنجليزية يحتلون مصر دفاع عن الخديوي، ويظلون في الهند حماية