للطوائف، ويستأثرون بالسودان رحمة بأهله، ويستعبدون مع الفرنسيس أفريقيا لنشر العلم والمدينة، والأمريكان يقحمون أنفسهم في كوريا احتلال العالم كله لنشر الحضارة والسلم في ربوعه. . وهكذا كل أمة تجد أن تسود العالم وتتحكم في أزقة وأنفاسه ما استطاعت إلى ذلك سبيلا باسم الحرية ولا شيء غير الحرية، حتى تلك الشر ذمة المستخذية من اليهود تحاول ذلك وتعمل له في كل بقعة توجد فيها بشتى الوسائل والأساليب الملتوية في السر والعلن باسم الحرية أيضاً، ولكل منهم عذره أو كذبة الجميل المستساغ لانه لا يقدم على شيء إلا (تضحية) من أجل السلام والعرفان والحرية.
لقد استعبدت الأمم الضعيفة لأنها لم تفهم من الحرية إلا أضدادا التي أراد لها السادة من خيانة وفجور وفساد وفوضى والتي أدت بهم إلى هذه الدركات الدنيئة من العبودية، فهل تراها تستفيد من الماضي وتعمل على تحقيق نصيبها من الحرية الطبيعية الصحيحة التي يحرص عليها السادة المستعمرين كل الحرص ويقيمونها فيما بينهم؟ أم تراها تؤثر دعة الخنوع والفقر والعبودية على مرارة الكفاح الصادق من أجل الخلاص والحرية عملا بالخرافة القائلة (أن للأقدار وحدها أن تجعل من تشاء سيدا وتجعل من شاء مسودا؟
والآن يلوح أن العصر الحديث بمديناته وعلومه وفلسفاته لم يرق بالإنسانية درجة واحدة نحو الكمال المنشود والفهم الصحيح لحقيقة الحياة، فالإنسان في كل زمان ومكان لم تستطع المدنيات المتعاقبة ولا المعارف المتعددة أن تهذب من طباعه أو غرائزه شيئاً وإنما زاده هذا الشعاع الضئيل من سراب المعرفة تيهاً وعجباً وأنانية ووحشية ورجع القهقري نحو عصور الهمجية الأولى. فهو لا يكاد يفرغ من ظلم إلا ليبدأ ظلمات، وهو لا يكاد يشبع شهوة إلا لتصرخ في شهوات، وهو لا يكاد يستجيب لأنانية حتى تستبد به أطماع وأحقاد وأنانيات تؤوه إزاء نحو الحرب تفضي إلى حروب تفضي به إلى فناء.
ترى هل هنالك من عناية تنقذ هذا العصر من شره وتشعر الإنسان بقيمته فيدرك أنه روح وقلب قبل أن يكون جسداً وشهوة، ويعرف أنه خلق لغاية وحياة أعقل من جهالة الشهوات وأسمى من ظلام الفناء؟ أم تراه عصر قد مات ضميره وفقد إنسانيته وتخلى عن دينه فركبه الهوى ومكن من أزمة قياده الشهوات فهو - في جهله وعماه - لا يرى الحرية في غير شهوته ولا يرى العالم قد خلق إلا لتلبية هذه الشهوة أو (الحرية) كما يشاء أن يضلل