قتيبة أن لبعث إلينا رجلاً من أشرف من معكم يخبرنا عنكم ونسائله عن دينكم. فانتخب قتيبة من عسكرة أثنى عشر رجلاً لهم جمال وأجسام وألسنة وبأس، وجهز لهم أحسن جهاز وقال لهم إذا دخلتم عليه فأعلموه إنني حلفت أن لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي إخراجهم. وصل الوفد إلى الصين فدعاهم الملك فلبوا الدعوة ودخلوا عليه وهم في ثياب بيض تحتها الغلال تنبعث من أردانهم رائحة الطيب فلم يكلمهم الملك، فنهضوا، فقال لمن حضر كيف رأيتم هؤلاء قالوا رأينا قوماً ما هم إلا نساء ولما كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشي وعمائم الخز. فلما دخلوا قيل لهم ارجعوا، فقال لأصحابه كيف رأيتم؟ قالوا هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال. فلما كان اليوم الثالث أرسل إليهم فشدوا عليهم سلاحهم ولبسوا البيض والمغافر وتقلد السيوف وأخذوا الرماح وتنكبوا القسي وركبوا خيولهم وغدوا، فنظر إليهم الصين فرأى أمثال الجبال مقبلة، فلما دنوا ركزوا رماحهم ثم أقبلوا مشمرين فقيل لهم ارجعوا، فركبوا خيولهم واختلجوا رماحهم ثم رفعوا خيولهم كأنهم يطاردون بها. فقال الملك لأصحابه كيف ترون؟ قالوا ما رأينا مثل هؤلاء قط. فلما أمسى الملك طلب زعيم الوفد فدخل عليه فقال له الملك. لم صنعتم ما صنعتم في الأيام الثلاثة؟ فقال له أما زينا في اليوم الأول فلباسنا في أهالينا، وأما اليوم الثاني فزينا إذا أتينا أمراءنا وأما اليوم الثالث فزينا لعدونا. قال ما أحسن ما دبر تم؛ انصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف. إني عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه. قال له: كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا وراءه قادراً عليها وغزاك؟ وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل. قال فما الذي يرضى صاحبك؟ قال إنه حلف أن لا ينصرف حنى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطي الجزية. قال فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب أرضنا فيطأها ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم ونبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم ثم أجاز الوفد وسرحه إلى قتيبة الجزية وختم الغلمة وردهم ووطئ التراب.
رجع قتيبة إلى خراسان وكان سليمان قد ولي الخلافة فما لبث سليمان حتى عزل قتيبة عدوة وصديقه يزيد بن الملهب، ولكن هيهات أن يذعن قتيبة لأمر سليمان دون أن تشرق