أما عن إشارة الأديب الحاضري إلى شعر أبي ريشة، فلا أذكر أنه قد أخرج ديوانا دون أن أقف عند كل قصيدة من قصائد، بل دون أن أرسل الذوق وراء كل بيت من أبياته.
ويا طالما وضعت ديوانه الأهل (شعر)، وديوانه الثاني الذي أخرجنه مجلة (الأديب) وضم بين دفتيه كل ما قال، يا طالما وضعتهما في بوتقة النقد وكفة الميزان. تريد رأيي في شعره؟ إن كل قصيدة من قصائده تذكرني بروعة الجمال الأسر في (جاليتيا) تمثال بجماليون. لقد أدرك بجماليون الفنان أن تمثاله الجميل تنقصه الحركة، تنقصه الروح، تنقصه الحياة. . ومن هنا راح يتوسل إلى الآلهة أن تحيل الرخام الصامت إلى كيان ناطق، أو الجسد الهامد إلى حياة نابضة. واستجابت الآلهة لبجماليون المثال، ولكنها حتى الآن تستجيب لأبي ريشة الشاعر. إن شعره يا صديقي يزخر بالجمال والخيال، ولكنه يفتقر إلى الروح والعاطفة!!.
كلمة إلى صديقي:
تلقيت رسالتك الأولى كما تلقيت من بعدها رسالتك الثانية. ترى هل تبلغ من الثراء هذا الحد الذي يتيح لك أن تطيع ديواناً من الشعر لتوزعه على الناس بالمجان؟! أنه ليسعدني أن تكون صادقاً فيما اعتزمت، لأن في ذلك حلاً لأزمة القراء. . ولقد طلبت إلى أن أقوم بطبع هذا الديوان والتقديم له، ثم رأيت أن تحتار له عنوانا هو (منعطف النهر). . عنوان جميل من غير شك، ولكن لم تؤثر أن يظهر الديوان وهو يحمل اسماً مستعاراً بدلاً من اسمك الصريح؟ صدقني أنني أضيق بكل شيء مستعار، لأنني تعودت أن أعيش في وضح النهار. . ثم لا تنسى أن النقاد سيسألني عن أسمك الحقيقي إذا ما كتبت مقدمة ديوانك، وأنا لا أحب أن أتعرض لمثل هذا الإخراج!.