للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصراع الذي أوجد تشويشا فكريا واجتماعيا في كثير من بقاع منها الأرض منها عالم الغرب.

ولنعد إلى قضية الدين والسلوك الإنساني لنقرر حتما في المستهل أن هذا الصراع الفكري يشغل الآن أذهان المثقفين في الغرب وفي أمريكا على وجه الخصوص.

فقد نشأ العالم الجديد أول ما نشأ على مذهب التحرير من القيود الثقيلة التي فرضت على العقيدة والسلوك الديني في أوربا. فحملت سفينة (مايلفور) في القرن السادس عشر هؤلاء المضطهدين من القارة الأوربية إلى أرض كولومبوس لتدفع عنهم شر هذه القيود. فالحضارة الأمريكية إذن أسس روحية للدين فيها شأن كبير لا تزال عناصره الأصيلة تناضل موجات الإلحاد والانطلاق الغريزي الذي ولده نشوة النظم الاقتصادية الحديثة على النحو الذي شرحه في عمق وبلاغة الكاتب الألماني الكبير (ماكس ويجر) وكذلك تسرب الأيدلوجية اليهودية وتركها في صميم الحضارة الأمريكية وعبثها فيه فسادا.

وحري بالذين استخفوا واستهجنوا دفاع رجال الأزهر الشريف وعلمائه ورجال الدين في نصر عن الفضيلة والقيم الدينية في حملتهم الأخيرة بأن مثل هذا الدفاع هو من أهم ما يشغل العلماء وقادة الفكر في معاقل الغربية التي يتطلع إليها المستخفون من المثقفين العرب ليستمدوا منها الوحي والإلهام والذخيرة لمناوأة الإحياء الذي له رجال الدين في مصر والشرق العربي.

قلت إن أهل الفكر في لأوربا وأمريكا يشغلون الآن بهذا النزاع الحاد بين العقل والروح من جهة؛ والانطلاق الغريزي البدائي من جهة أخرى وعلاقة السلوك الديني بهما.

فبعض أتباع في إنتاجهم الفني العلمي يرون في السلوك الديني شاهداً على الجهل والخوف والتفكك النفساني، وعلما على الجمود الفكري والشخصية الضعيفة المنطوية التي لا تستطيع ولا تود مواجهة الواقع.

ثم هناك وبليام جيمس البروتستانتي وغيره من فلاسفة الكنيسة الكاثوليكية الذين يقولون بأن السلوك الديني القويم ليس رمز لهذه العقد النفسية؛ وذلك لأن في الفرد غريزة دينية متأصلة تشوب سلوكه المطمئنة والشخصية الكاملة الناجحة (بمعناها الكسيولوحي) لم يتوفر لها هذه الطمأنينة وهذا الكمال إلا لأنها لمست مبلغ القوة في غريزتها الدينية فهذبتها بالتروي

<<  <  ج:
ص:  >  >>