ويخيل إلى أن الذين يوجهون الثقافة العربية الآن لم يفطنوا بعد جدية إلى إصلاح الأسلوب الذي اتخذه بناة الثقافة الجديدة في الباكستان مثلا، والباكستان مثل فريد.
فقادة الفكر في الباكستان جماعة استدعوا استيعاباً غير قليل العناصر الجوهرية التي تكون حضارات أوربا وأمريكا فاستبانوا في نباهة وحكمة عناصر القوة والضعف فيها فنتج عن ذلك هذه النهضة الفكرية والأسس الإيديولوجية التي لم يتأثر بها بعد - مع الأسف الشديد - قادة الفكر في الشرق العربي فلإيديولوجية في الباكستان ليست (رجعية) تعيش في من القرون الوسطى كما يصمها بذلك بعض المغرضين من أعداء الشرق وبعض أبنائه. وإنما هي أسلوب في الحياة الفكر استوحى التوجيه من تراث الإسلام ومبادئه ومن روح الشرق ونظمه الاجتماعي والمتأصل من الاتجاهات العاطفية والتكوين النفسي. فحين تبين لمحمد إقبال وغير من جهابذة الفكر من القارة الهندية أن الإسلام كمذهب وكنظام للحياة الدنيوية برئ من هذا الجمود وهذا التفسيرات المغالطة وهذا السلوك الشائن الذي كاد يؤدي بالمسلمين إلى المذلة والانحطاط ويثقافهم إلى الانحلال والموت - حين يبين لمسلمي الهند والباكستان ذلك يقفوا عند حد الوعد والإرشاد والنفخ في أبواق لا نؤثر دعوتها في صميم النظم السياسي والاقتصادية والاجتماعية والإحياء الفكري والعلمي، وإنما استعار من الغرب مناهجه في البحث والتوجيه واقتبسوا عنه أساليب العمل والإنتاج وصاغوا تعاليم الدين الإسلامي في قالب لا يجب عن جوهر العقيدة المحمدية، وإنما يتميز بأنه لا يختلف عن القوالب التي ولدت حضارات عصور النهضة من إيطاليا وفرنسا واليابان الأنجلوسكسونية. وتبين لمسلمي الهند والباكستان كذلك بأن إنتاج الفكر الأوربي في الحياة الدستورية وفي التنظيم الاقتصادي وفي التكافل الاجتماعي لا يمكن أن يكون مناقضا للنظم التي شره الإسلام، وإنما هو في الواقع متمم له. وجاء ميلاد الدولة الباكستانية فدمج الفكر بالعمل وحقق الأسس الهجر للإيديولوجية الإسلامية الحديثة على النحو أثار إعجاب العارفين به.
وليس من أهداف كاتب هذه السطور أن يستعرض هنا أسس الإيديولوجية الإسلامية في الباكستان وإنما استشهد بها في معرض الحديث عن البلبلة التي تعتري الحضارة الإنسانية وأزمتها إزراء صراع العقل والروح من جهة، والغريزة البدائية من جهة أخرى، هذا