من هذه المقامات الأدبية، لم يراع فيها التنوع والتقسيم، فلا عجب إذا اعترى قارئ الكتاب ضرب من السأم، وإنما قلنا (مقامة) لأن المؤلف استهل الكتاب بقوله (حكى السرور ابن اللذة قال: كنت وشعبه جنون شبابي في عنفوانها، وصحيفة عمري لم أقرأ منها غير عنوانها) وهذه العبارة شبيهة ببعض عبارات الحريري وغيره من أصحاب المقامات، والمقامة طافحة من أولها إلى آخرها، بضروب من الأحماض والفحش والمجون الذي لا يستساغ نشره فيما أرى وإن نشر الناشرون ما هو أسوأ منه. وقد حاول المؤلف في مواضع عدة من الكتاب تأكيد سلامة نيته، وحسن قصده في مجونه وعبثه الفاحش، وأن ذلك مجرد أقوال لم تقترن بأعمال وأفراد فصولا أخرى في أول الكتاب وآخره للدفاع عن نفسه والاعتذار عن شطحاته وبداوته، وعرض ببعض خصوصه الذين نسبوا إليه الجد، ورموه بسوء القصد وزعم أنه نسج على منوال البلغاء، فيما وضعوه من الكلام منسوبا إلى الجمادات أو ما عزوه من الحكم إلى الحيوانات مثل ما جاء في كتاب كليله ودمنه وكثير من المقامات؛ وقد يكون هذا العذر مقبولا لولا أن الجوبني أسرف والحق يقال وإفراط في تماجنه وخلاعته من هذا القبيل، ومع ذلك فإن وجه الانتفاع بنشر جانب من هذا الكتاب ظاهر لعناية المؤلف بتدوين المصطلحات الحرفية الشائعة في عصره على وجه لم يسبق له مثيل.
في مطاوي كتاب تقويم النديم مجموعة ألفاظ ومصطلحات كانت تدور على ألسنة المصريين في عصر الدولة الأيوبية، وقد عنى المؤلف عناية خاصة بتدوين هذه الألفاظ أو المصطلحات الأيوبية وإنما قلنا (ألفاظ أيوبية) مع أنها لا تخلو من ألفاظ عباسية أو فاطمية من باب التغليب، أو أنها أوضاع شاع استعمالها في العصر المذكور بطريقة الاشتقاق أو التوليد أو التغليب أو بطريق من طرق المجاز أو الاستعارة.
وقد يكون حظ هذه المصطلحات وإضافتها إلى تراثها اللغوي إحدى غايات هذا الأديب من إنشاء هذه المقامة، كما كان حفظ أوابد العربية إحدى غايات الحريري من إنشاء المقامات، وبعض هذه الألفاظ أو المصطلحات من أوضاع المصريين في اللغة أو من مصطلحاتهم المولدة.
والقريض في هذا الكتاب كثير وأكثر من إنشاء المؤلف وهو مدمج في النثر. فالجويني