للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رداً يقوم مقام التعقيب.

إن ردى على الأديب الفاضل هو أن أقول له: إنني أومن بهذا الذي تؤمن به، وأدعو الله أن يملأ بمثل هذا الإيمان نفس كل أديب. . إن الأدب الحق يا صديقي لا يعرف الأبراج العاجية، تلك التي تقطع كل صلة بين صاحبها وبين الناس. وما هي رسالة الفن إذا لم تكن مشاركة وجدانية بين الفكر وبين مشاهد الحياة، وبين النفس وبين مشاعر الأحياء؟ وما هي قيمته إذا عجز عن أن يربط بين القلوب بتلك الخيوط الإلهية غير المنظور، تلك الخيوط التي تنسج أثوب الحق والخير والجمال؟! إن الأدب ديمقراطي عند الذين يحسنون فهم الديمقراطية، ويقدرونها على أنها لون فريد من الألفة والتعاطف والإيثار. وهكذا أفهم الأدب وهكذا أقدر رسالته، وما تعودت يوما أن أغلق منافذ السمع والشعور في وجه كل صيحة تهز فجاج النفس وتزحم مسارب العاطفة.

إن لي في (الرسالة) بابا هو باب التعقيبات، كم فتحته على مصراعيه لكل قارئ وكل أديب ولي في (وزارة المعارف) باب آخر كم فتحته لكل طارق وكل غريب، ولي في (الجيزة) ندوة أدبية يقصدها هواة الفن وعشاق الأدب من هنا وهناك. . وما أكثر زوار الندوة وطراق البابين من القراء والأدباء! أنا يا صديقي لست من أصحاب الأرستقراطية الأدبية حين ألقى الناس وجهاً لوجه أو حين ألقاهم بين السطور والكلمات، وإذا كان غيري يميل إلى هذه النزعة فهو ميل مركب النقص حين يسعى وراء شيء من مركب التعويض. . ولست من متصنعي الأستاذية المظهرية حين يجلس إلى أديب زائر دون معرفة بيننا ولا سابق لقاء، لأن الأستاذية لا تكتسب بالمظهر المتكلف ولا بالسمت المزيف ولا بالوقار المصنوع، وإنما تكتسب باللمحة الواعية والفكرة الخالقة والذهن اللماح!

على الأديب الفاضل أن يطمئن إلى هذه الحقيقة، وهي أن ديمقراطية الأدب بعيدة كل البعد عن تلك الحجب الصفيقة وما يشبهها من أستار، وأنها إذا تقبلت الأستاذية فإنما تتقبلها مدثرة بوشاح التواضع العلمي حين يكون هدفه البعث الصادق والتوجيه الأمين. . أما عن تساؤله لماذا لا يكون لكل أديب ندوة ولكل عالم قاعة، فلعل الحياة الأدبية والعلمية في مصر لم يبلغ من النضج واكتمال الأداة بلغته في بعض البلاد الأوربية، سواء أكان ذلك في ميدان الأديب أو العلم من ناحية أقصابه أم من ناحية طلابه، وليس من شك في أن تعادل

<<  <  ج:
ص:  >  >>