- لقد خلع نور الدين عليه حلة سنية، ومر في طريقه فرأى حلقة بها تيس يدربه إنسان، فقال المدرب لتيسه، إن بحلقتي رجلاً عظيم الشأن نابه الذكر، فأين مكانه، فشق الحيوان الحلقة ووضع يده على ملك النحاة، فلم يتمالك نفسه وخلع عليه حلة نور الدين، وعلم الملك فعاقبه، فقال ملك النحاة، إن بهذه المدينة أكثر من مائة ألف تيس فما عرف قدري غير هذا الحيوان فخلعت الحلة عليه في ارتياح.
- أصاب ملك النحاة فأهل الموصل كأهل الشام في الدناءة والحطة، وقد كنت أشرح لهم القاعدة العلمية، واقرأ النص الأدبي موضحاً محللاً فما يستفيدون شيئاً مني، فمن ذا يلومنا على احتقار الدهماء!
- كلامك رفيع يا مولاي، فالموصليون معذورون إذا لم يفهموه.
- اسمع يا بني ليس في الوجود إلا خالقان، فواحد في الأرض وواحد في السماء، فالله في السماء، وأنا في الأرض كما تراني الآن.
ياقوت ينظر إليه مندهشاً.
شميم: هذا كلام لا تفهمه أنت ولا العامة، ولكنك لا تنكر مقدرتي على خلق الكلام.
- اعفني من هذا الحديث يا مولاي، فلست من علماء التوحيد فأعلم من الذي يخلق الكلام؟
- إذا لم تسر المناقشة كما أريد فلن أتحدث معك في علوم الأدب على الإطلاق!
- لن نتحدث في الأدب كما تريد يا مولاي، وسأسألك سؤالاً يتعلق بك، فأنا رجل محدث، وإن لم تكن بالمحدث جرأة مات بغصته، فهل تأذن بالجواب؟
- اذكر السؤال أولاً ولي الحق في قبوله أو رفضه كما أشاء.
- لم سماك الناس (شميماً) مع أن اسمك الحقيقي علي يا مولاي؟
- لقد مكثت مدة من عمري لا آكل غير الطيب، لأخفف الرطوبة، وأقوي الذاكرة، وكان الغائط يمتنع عني بضعة أيام، فإذا جاءني كان أشبه ببندقة من الطين، فكنت آخذه وأقول لمن يجلس معي (شمه، شمه) فإن له رائحة طيبة، فكثر ذلك حتى غلب علي ولقبني الناس بشميم.
- حسبك يا مولاي، فأنا أريد أن أسجل جميع ما سمعته منك، ولو طال بنا الحديث لعجزت عن حصره، وستكون تسميتك هذه مسك الختام.