للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- لقد عارضت هذا المتشدق بخطب قوية مدهشة، فليس للناس حديث غيرها الآن

- معذرة! فلم أحظ بسماعها. ولعل لديك سفراً يجمعها وأسعد بقراءته ردحاً من الزمان.

يمد شميم يده ويعطيه ديوان الخطب، فيقرأ ما وقعت عليه عينه ويسمع صاحبه قوله:

الحمد لله فالق حب الحصيد بحسام سح السحب، صابغ خد الأرض بقاني رشيق العشب، محيي ميت الأرض بإماتة كالح الجدب، لابتسام ثغر النسيم أنفاح الخصب، أحمده على ما منح من موضح بيان بما ألب في سوداء لب)

ويلاحظ شميم تلكؤ ياقوت في القراءة فيصبح منفعلاً

- ما للبهائم والأدب؟ دع السفر أيها الأعجم البليد، هل مررت على الموصل فأخذت منها البلادة والغباء؟

- معذرة يا مولاي، فقد ثقلت التراكيب، ولم يجد اللسان نافذة للاسترواح فتعثر به المنطق. . . وضل الإجادة في الإلقاء.

- قلت لك هل مررت على الموصل فأخذت منها الفهاهة والبلادة؟ فلم أظفر بجواب!

- أنا مضطر لمخالفتك الرأي في أهل الموصل فهم كما أعتقد، ألبة أذكياء.

- وما معرفتك بالذكاء واللب؟ لقد ناقشتهم وخبرتهم، فعجبت كيف خلقهم الله، ووالله لو قدرت على خلق مثلهم ما خلقتهم على الإطلاق.

- للمرة الثانية تذكرني بأبي نزار ملك النحاة!

- ولأي شيء ذكرتك به الآن؟

- أنت تسب أهل الموصل، وهو يسب أهل الشام، وكلاكما لا يعترف بإنسان، فجميع الناس كلاب رعاع. . .

- لي العذر إن شتمت جميع الناس، فهم لا يفرقون بين الدر والبعر، وملك النحاة معذور أيضاً، وإن كان يخاف الناس فلا يجاهر بسبهم كما أفعل الآن.

- هو مجاهر مثلك يا مولاي، وقصته مع نور الدين زنكي قد عرفها كل إنسان يقطن بلاد الشام!

- لم أشغل ذهني قبل الآن بأبي نزار فأعرف قصته مع نور الدين، ومع ذلك فاسردها علي بإيجاز.

<<  <  ج:
ص:  >  >>