ياقوت مندهشاً:
المعري كلب حقير! سبحان الله يا مولاي! لقد ذكرتني بأبي نزار، ملك النحاة.
- هذه جريمة ثانية، إذ كيف أذكر برجل كل صناعته النحو، أما أن فكاتب شاعر راوية إخباري محدث لغوي مؤرخ! هل غرب عنك عقلك يا مجنون؟
- ذكرتني به لشيء واحد يا مولاي، فقد كان لا يذكر أمامه نحوي مثله إلا قال عنه ما قلت في أبي العلاء، وقد خاض ذات يوم في ذكر زملائه النحاة فجعلهم جميعاً كلاباً، فقال له بعض الحاضرين: إذا أنت ملك الكلاب لا النحاة، فكأنما ألقم بحجر فاه!
- ملك النحاة معذور في سبه الناس، فقد ابتلى بمخالطة الأوشاب والرعاع فوصفهم بما يستحقون - دعنا منه، وتكلم فيما جئت من أجله دون انتظار.
لم أجئ إلا لأسألك عن مؤلفاتك، وقد ذكرت لي معارضتك لأبي تمام وأبي نواس، فمن غيرهم من الذين نكبوا بمعارضتك على غير ميعاد.
- لقد رأيت استحسان الناس لجناس البستي، فألفت كتاباً في التجنيس، أسميته (أنيس الجليس) وخذ هذه الصحيفة واقرأ ما يقع عليه بصرك دون اختيار.
(يتناول ياقوت الصحيفة ويقرأ)
ليت من طول بالشام نواه وثوى به!
جعل العودة المزو ... راء من بعض ثوابه
يقاطعه شميم ويصيح: اسجد الآن، اسجد الآن!
- لماذا أسجد يا مولاي؟
- هذا موضع من مواضع السجدات في الشعر، وأنا أعرف الناس بتلك المواضع فلا تخالف أمر مولاك.
يسجد ياقوت ثم يلقي الصحيفة ويسأل:
- ومن غير أبي تمام وأبي نواس وأبي الفتح البستي قد نكب بمعارضتك أيها السيد الجليل؟
- هل سمعت الخطباء يرددون على المنابر خطب أبن نباتة في دمشق وحلب وبغداد؟
- نعم يا مولاي.