فشيئاً حتى وقفت على رأسك، وقلت هكذا نشكر النعمة، بأن يقف الإنسان على رأسه لا على قدميه، وأمرت الحاضرين بأن يصنعوا ما صنعت!!
- نعم فعلت ذلك لأفهمهم طريقة الاستحسان - ثم ما هي المناسبة التي جعلت أبا البركات الحقير يحدثك بهذه النادرة، وقد طمسها الزمان.
- لقد كنا بحلب، ومرت بعض الجنائز، وبها نسوة يلطمن الوجوه، وينحن بكلمات حزينة، ويأتين بحركات عجيبة، فقال القوم: إن هذه الحركات منقولة عن مولاي، وإن نواح النائحات قد ألفه سيدي شميم!! وخاض الناس في غرائبك البديعة فذكر أبو البركات نادرته عنك، وهي تحفة بديعة ستدور بها الأسمار!
- هذا الكلب صادق فيما قال، وقد نسى أن يسمعك النواح العجيب الذي صنعته واخترت له روباً محكماً ووزناً مرناً، وإذا رجعت إلى حلب مرة ثانية فسل عنه الأدباء.
- أعجب كيف شغلت نفسك بالنادبات النائحات وأنت غارق في أبحاثك دون أن تجد الوقت لهؤلاء!
- لقد كنت مع تلاميذي ذات صباح بحلب، فمرت بنا جنازة يندب فيها النساء في غير حرارة وحسرة، كما يجب أن يكون، فأخذتني الحمية، وأمرت من معي من التلاميذ، فوقفوا صفين حولي، ولطمت خدي، فلطموا خدودهم مثلي، ووضعت نواحاً يرتلونه فأذن الله وتناقلته النادبات في جميع البلاد!
- أنت مولاي مبدع في كل أمورك، وأخشى أن يبتعد بنا الحديث عن الأدب والشعر، فهل تكمل حديثك مع أبي نواس؟
- إن فضلي على هذا الكلب واضح بين، فإني لم أذق الخمر طيلة حياتي، ووصفتها بما أعجز المدمنين العشاق، أما اللعين أبو نواس فقد عب من الخمر دناناً مترعات، وكان شعره هراء بدداً إذا قيس بشعري الممتاز.
- إذا كنت لا تشرب الخمر، وأجدت فيها القول، فكيف بك لو تكلمت في الزهد والحكمة كأبي العلاء، مع أنك اصطليت بما للزهد والحكمة من ضرام.
- من ذلك الكلب الأعمى الذي تذكره في مجلسي الآن، إن المعري لا يوزن بنعلي، فكيف تطمع أن أعراضه بشعري الخلاب!