للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الألسنة، حتى ليقع في اللبس في أيهما السابق وأيهما اللاحق في الاستعمال، ثم قال إن من هذه الكلمات كلمتي (الحقيقة) و (المجاز) فالحقيقة فكرة مجردة ولكن مادة الكلمة تستخدم للدلالة على ما يلمس باليد ويقع تحت النظر فيقال (انحقت) عقدة الحبل، أي أنشدت. والمجاز من جاز المكان أو جازيه غير معترض، ويقال هذا جائز عقلاً أي غير ممتنع ولا اعتراض عليه.

وعرض الأستاذ طائفة من الكلمات وبين معانيها الحقيقية والمجازية واستعمالاتها في المحسوسات وغير المحسوسات ثم قال: ونستطر ومما تقدم إلى المقارنة بين اللغة العربية واللغات الأخرى في استعمال المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في وقت واحد فيبدو لنا من هذه المقارنة أن الكلمات التي تستعمل للغرضين كثيرة في اللغة العربية الأوربية، وقد يرجع هذا الفارق إلى غير سبب واحد، فلعله راجع إلى تطاول العهد بين بداوة الأمم الأوربية وحضارتها، ولعله راجع إلى انتقال لغاتها إلى حالتها الحاضرة من لغات قديمة بطل استعمالها وانقطعت فروعها عن أصولها، ولعله راجع إلى خاصة عربية بدوية في التعبير بالتشبيهات المجازية أو الشعرية. وأياً كان السبب فالخلاصة العلمية التي نتأدى إليها من هذه الملاحظة أننا لا نحتاج كثيراً إلى التسلسل التاريخي في وضع معجماتنا الحديثة، لأن هذا التسلل ضروري في اللغات التي يكثر فيها إهمال الكلمات في معنى وصيرورتها في معنى آخر ولكنه لا يبلغ هذا المبلغ من الضرورة حين توجد الكلمة مستعملة في جميع معانيها على السواء أو على درجات متقاربة. ومن النتائج العملية لتلك الملاحظة أن نذكر في سياق التجديد والمحافظة على القديم أن العرب كانوا مجددين على الدوام في إطلاقهم للكلمات القديمة على المعاني الجديدة، ونحن لا نعدو سياقنا هذا حين نلتفت إلى الأصل في كلمة القديم والأصل في كلمة الجديد، فنتخذ منهما شاهداً على ما ذهبنا إليه. فالتقديم هو السير بالقدم، ويقال تقدم أي مشى بقدمه، كما يقال ترجل أي مشى برجله، وتقدمه أي مشى أمامه، ومن هنا التقدم بمعنى السبق والقديم بمعنى الزمن السابق. ولا ندري على اليقين كيف أطلقت كلمة الجديد على معناها هذا في أقدم أطوارها، ولكننا ندري أن الجد هو القطع وأن الثوب الجديد هو الذي قطع حديثاً، فلعل هذا المعنى من أقدم معاني الجديد، إن لم يكن أقدمها على الإطلاق. وظاهر من جملة هذه الملاحظات أن أهل

<<  <  ج:
ص:  >  >>