للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ينبغي لأهل كل مذهب في كل عصر أن يكون فيهم عالم كبير ينقح مذهبهم، وذلك لأن الأحكام تتغير بتغير الزمان)

ومما يحسن إيراده هنا أن الشارع صلى الله عليه وسلم نبهنا إلى تأثير ناموس الوراثة، وأشار إلى أن في إصلاحه إصلاحاً للنسل والذرية مذ قال: (تخيروا لنطفكم، فإن العرق نزاع) يريد تزوجوا كرائم النساء؛ فإن أولادكم من زوجاتكم يرجعون في طيب الأخلاق وقبحها إلى أجدادهم من أمهاتهم، أما رجوعهم في أخلاقهم إلى أجدادهم من جهة آبائهم فبالطريق الأولى. وليس فوق هذا إرشاد وتعليم لنا في أن نصلح شؤوننا، وعوامل اجتماعنا، حتى ما يظن أنه مما لا يدخل تحت طاقتنا كمسألة الوراثة هذه. وقال أبو الأسود الدؤلي مخاطباً أولاده:

وأول إحساني إليكم تخيري ... لماجدة الأعراق باد عفافها

وبالجملة فإن الدين والعلم والتجربة والمشاهدة اتفقت كلها - وإن خالفها الجهل والتقليد والمكابرة - على أن سعادة الأمم وشقاءها أمران ميسوران لها، داخلان تحت طاقتها. وليس معنى أن الله يضلها ويهديها إلا أنه تعالى يمهد تحت مواقع أبصارها طريق الهدى والضلال؛ فهي إذا اختارت لنفسها طريق الهداية اختارته وسلكته بمشيئة الله وإرادته وسابق علمه، وإذا اختارت لنفسها طريق الضلال اختارته وسلكته أيضاً بمشيئته تعالى وإرادته وسابق علمه. وما أحسن ما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إنهما نجدان: نجد الخير ونجد الشر؛ فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير؟)، ويشبه هذا ما قاله الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر: (إن الله أراد بنا شيئاً وأراد منا شيئاً، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا، فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا؟)

وأوضح السبل الموصلة إلى سعادة الأمم هو إصلاحها دينها! فلا يكون فيه حشو أو بدعة، أو تكليف مما لم يأت به وحي، ولا خبر صادق. ثم إصلاح بقية المقومات والعوامل التي قلنا إنها هي التي تجذب بضبع الأمم إلى مراقي الكمال والعزة والغلبة. كما أن أقرب الطرق التي تأخذ بالأمم توا إلى هاوية الذلة والمسكنة والدمار والاضمحلال - هو ترك الدين محشواً بالبدع، وبما لا يرضي الله ورسوله من الآراء والتعاليم والأقوال البين سقطها، الظاهر غلطها. ومثل ذلك في الضرر أن نترك كل قديم على قدمه من أوضاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>