ربهم ويصعدهم، ويشقيهم ويسعدهم، فأنى لنا الوصول إليها بالإصلاح والترميم، والتغيير والتبديل؟ وهل هذا إلا افتئات على القدر، وتداخل في وظيفته؟
والجواب على هذا آيات القرآن نفسها؛ فإنها إنما أمرتنا بالنظر في أحوال الأمم والاعتبار بما جرى؛ لنتمسك بما كان سبباً في نجاتها وسعادتها، ولنتجنب ما كان سبباً في هلاكها وشقاوتها. ونحن في كلتا الحالتين بالغون ما قضاه الله وقدره فينا (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
وهذه الأمم المعاصرة لنا - معشر المسلمين - ارتفعت وعزت وغلبت بما كان من عنايتها بأمر العوامل المذكورة؛ فليس الدين لديها اليوم، ولا طرز الحكومة، ولا نظام العائلة، ولا قوانين المدرسة والتربية العامة وسائر مقومات الاجتماع - كما كانت عليه في عصورها الوسطى.
تقول: والإقليم والوراثة كيف يكون إصلاحهما؟
فأما إصلاح (الإقليم) فيكون بتجفيف المستنقعات، وغرس الأشجار، وإنشاء الغابات والحراج، وحفر الترع، وجر المياه النقية للشرب.
وأما إصلاح (الوراثة) وتحسين حالة النسل والأخلاف فقد أخذ الغربيون في الأيام الأخيرة يعتنون به، ويستفيدون مما يرشدهم إليه العلم الصحيح، والتجربة القاطبة بشأنه.
وهذا، أو ذاك، أو ذلك - مما يدخل تحت الطاقة، ويستطيعه البشر وقد أصبحت المكابرة فيه ضرباً من الجهل والغباوة بعد ما رأينا حسن أثره واضحاً جلياً في الأمم التي غلبت علينا، وأصبحت المتحكمة فينا.
وعجيب من مسلم أن يجرؤ على القول بأن في إصلاح الدين، أو الحكومة، أو نظام العائلة، أو طريقة التعليم والتأليف، أو سائر عوامل الحضارة والعمران - مخالفة للدين، أو تدخلاً في وظيفة القضاء والقدر، وهذا الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركناً من أركان الدين، وليس هو في الواقع ونفس الأمر إلا مراقبة دائمة على الدين والمتدينين به؛ فلا يتسرب إليه أو إليهم ما ليس منه في شيء فيفسد ويفسدون.
فالأمر والنهي إذن إصلاح، والآمرون الناهون مصلحون وكان بعض العارفين يقول: